في يومه الأخير بعد ان اصر ان يكمل الثلاثين ويكبد اهل القرية عناء صوم يوماً آخر رغم حرارة الجو والفقر الاشد حراً .
استطال نهار ذاك اليوم وتمطى وجلس قرص الشمس في كبد السماء في سكون رهيب كأنه لا يخشى المغيب.
بعد صلاة العصر جلس مجموعة من الرجال مفترشين التراب على شكل حلقة امام المسجد يلعبون السيجة لقتل ما تبقى من الوقت والبعض الاخر جلسوا على المصاطب امام الدور بقمصانهم البيضاء وسراويلهم الواسعة لعل نسمة باردة تضل طريقها إلى شوارع القرية المحمومة من لسعات شمس الظهيرة حتى مع محاولات النساء بإنعاشها برش المياه امام الدور.
وحين صدح صوت مايكروفون المسجد بصوت الشيخ عبد الباسط عبدالصمد الرطب بقرآن المغرب ، سارع الأطفال والصغار بالتجمع في الساحة المرتفعة امام المسجد ينتظرون الآذان وامام باب المسجد وقف مجموعة من شباب القرية ومشايخها لمناقشة الاستعدادات لإستقبال العيد بعد صيام طويل دام ثلاثين يوماً مرت على البلد كأنها دهر كامل .
وكما هي العادة في هذه المناسبة فقد وقف الشيخ سعيد وحوله مجموعة من الشباب ليجهزوا اليافطات والسجاد والحصر للخلاء فقد دأب الشيخ سعيد وجماعته التجهيز لهذه المناسبة. وبالقرب من جماعة الشيخ سعيد وقف مجموعة من شباب الجامعة يناقشون هذا الامر فقد استطاع هؤلاء الشباب تجميع بعد الاموال وشراء بعض التجهيزات لهذه المناسبة ، وتجهيز أرض الملعب الجديد لهذه المناسبة لأول مرة .
- يا شيخ سعيد ، احنا سهرنا امبارح وجهزنا ارض الملعب علشان صلاة العيد
- ما شاء الله ، ومين اصلاً إلي قرر ان الصلاة هتكون في ارض الملعب ؟ الصلاة هتكون إن شاء الله في المحجر زي كل سنة .
- يا شيخ سعيد وإيه المانع يعني نصلي السنة دي في ارض الملعب , ينطبق فيها شروط الخلاء ، واكبر واوسع
- شكراً يا اخوان جزاكم الله خير ، احنا مجهزين كل حاجة في المحجر والموضوع ده المشايخ مقررينه من فتره .
- مشايخ !مين هما المشايخ دول ، ويعني لو قرروا يبقى خلاص ما فيش مجال للنقاش معاهم .
احنا ومعظم الشباب شايفين ان ارض الملعب افضل واوسع ونقدر نعمل فيها مكان للحريم والاطفال وليها اكثر من مدخل وكمان بعيده عن الطريق و العربيات والدوشة بتاعتها
احنا عاوزين نشارك في الثواب وجايبين شوية يفط وسجاجيد و سماعات وهدايا للأطفال.
- لا متشكرين يا مولانا ، احنا مجهزين كل حاجة وسيبونا بقى نشوف شغلنا ، عاوزين تنضموا لينا وتساعدونا اهلا وسهلا ،
- يعني ايه متشكرين ، هو انتوا احتكرتوا فعل الخير ولا معاكم يعني تفويض الهي بالإشراف على تجهيزات صلاة العيد ، ولا الهلال ما بيهلش إلا بإذن من مشايخكم.
- استغفر الله العظيم احترم نفسك يا ابني وانت بتتكلم مع اللي اكبر منك
وبعدين احنا كل سنة بنقوم بالمهمة دي ،واهل البلد حملونا شرف المهمة دي من زمان.
- معاكم يعني تفويض رسمي مسجل في الشهر العقاري ولا إيه ! عمل الخير يا شيخنا مش حِجر على فئة معينة ! وكلنا لازم نساعد في عمل الخير .
- يا سيدي ابواب الخير كثيره ومفتوحة امام الجميع ، ما جتش يعني على صلاة العيد ! ممكن ترشوا الشوارع مية وتكنسوها ، تنضفوا الجامع ، تتبرعوا بالحاجات اللي جمعتوها دي لبيت المال .
- لو كنس الشوارع هينضف البلد كنا كنسناها من زمان ، العقول والضماير والافكار البالية هيا اللي عاوزه تتكنس يا شيخنا.
على العموم احنا هنعلن عن صلاة العيد في ارض الملعب وندعي الناس واللي عاوز يصلي هنا يصلي واللي عاوز يصلي في المحجر يصلي .
- ومين بقى اللي هيوافقكم على كده , وياترى مين الكابتن اللي هايصلي ويخطب بالناس في ارض الملعب ؟
- هههههههه ،ايه السكر ده يا شيخ ، ان شاء الله الكابتن ماجد بس يا رب يكون فاضي .
- طيب يا خفيف الدم انت وهو ، هنشوف بكره مين اللي هيصلي مع الجماعة ومين اللي هيصلي مع الكابتن ماجد.
ولم يقطع الحوار المحتدم بين الفريقين إلا ارتفاع صوت الشيخ محمد رفعت بآذان المغرب ، وصوت الاطفال مهللين " افطر يا صايم عـ الكحك العايم " .
استعدت شوارع البلده لاستقبال العيد ، حيث سهر شباب وبنات القرية على تنظيف وكنس الشوارع و دهان اعمدة الإنارة. وسهرت البقالات والمحلات طوال الليل لتجهيز وفرش البضائع ولعب الاطفال امام المحلات ، وبعد الانتهاء من صلاة الفجر بدأ شباب القرية وشيوخها التوافد على مصلى العيد ، كلٌ حسب توجهاته !
اعداء التجديد وعبّاد العادات والخائفين من مغبة التغيير و اصحاب اللحي واشباهها. والجلابيب الطويلة والقصيرة لم يضلوا طريقهم إلى المحجر.
والجيل الصاعد من شباب الجامعة والاساتذة وهواة التغيير والتجديد وحتى كبار السن البسطاء وابناء السفر ذهبوا ليطلقوا صيحات تكبير جديدة من الملعب.
جلس الرجال والنساء والاطفال في فرح وتشوق في كلا المصلين في انتظار طلوع فجر العيد الجديد حتى يبدأو بالتكبير وبين الحين والأخر ينظروا الى السماء وإلى ساعاتهم استعجالا لطلوع الفجر الجديد و كلما نظروا إلى السماء يجدوا السحب الكئيبة لا تزال رابضة لا تكاد تتحرك والنجوم ترتعش من خلفها،
طال الانتظار حتى ان الشك بدأ يندس بين الصفوف ، لماذا لم تطلع الشمس حتى هذه الساعة ، وزادت الشكوك اكثر واكثر حينما بدأت تتعالى تكبيرات العيد من القرى المجاورة
ولا تزال قريتهم يعمها الظلام .
وبدأت اصوات المصلين تتعالى ،
يا اخوانا احنا مستنين ايه ، ما نبدأ التكبير
رد احد الشباب " نكبر ازاي ولسه النهار ما طلعش "
ورد آخر : يا اخوانا يجوز التكبير في اي وقت مش مهم الشمس تطلع ، التكبير يبدأ بعد رؤية هلال شوال إلى قيام الإمام لأداء الصلاة .
لا لا خلينا ننتظر شوية ؟ دي سحابة وهتعدي والشمس هاتطلع اكيد.
وبدأت بعض الاصوات التكبير على استحياء ، وجلس البعض الأخر واجماً ؟ وبعد قليل من الوقت توقف التكبير وبدأ المصلون يتسائلون ؟
ماذا لو لم تطلع الشمس ؟
هل تجوز الصلاة ؟
وما هو السبب في عدم طلوع الشمس ؟
هل هذا غضب من الله ؟
لماذا تأخر العيد عن المجيء لهذه القرية ؟
هل بسبب تفرقنا وانقسامنا إلى قسمين ؟
هل لفساد نفوس الناس وضمائرها ؟
هل لكثرة المعاصي والذنوب ؟
وبدأت الأسئلة تتقافز بين المصلين حتى ضاق بهم المصلى ، وبدأوا ينصرفون باتجاه الطريق دونما اي اتفاق وعند الطريق وجدوا انصار المحجر قد خرجوا من المحجر وجلسوا على جانب الطريق وانظارهم معلقة باتجاه الاضواء واصوات الاحتفالات القادمة من القرية المجاورة .
وقف الفريقين على جانبي الطريق يتناوشون ويتلاسنون ويلقي كل طرف المسؤولية على الآخر.
- لماذا شققتم الصف ، وخرجتم عن الجماعة ، لن يأتي العيد لأمثالكم يا مبتدعين ، وهل يأتي العيد لشباب فاسقين ورجال مسافرين يجمعون المال من حله وحرامة !
العيد كان بيجي كل سنة علشان كنتم وذنوبكم بتتداروا بينا ، لكن لما قررتوا تصلوا لوحدكم هرب منكم العيد واتخدنا بذنوبكم .
- والله العيد ما هربش إلا من اشكالكم اللي مفكرين انهم بس المسلمين والباقي كفره ، اللي واخدين الدين مطية لمصالحهم واهوائهم ، عقول متحجره الدين عندهم بس عبادات شكلية ولحية وزبيبة ،
وبعد ان انهك كل طرف الطرف الاخر بما القى عليه من اتهامات ولعنات وخلع مسؤولية ما حدث عن رقبته والقاها في رقبة الطرف الاخر جلس كل فريق على جانب من الطريق في صمت وترقب واعينهم معلقة باتجاه القرى والمدن التي هربت بعيدها بعيداً عن قريتهم ، بينما اخذت النساء الاطفال ، وبدأوا في الانصراف وقد علا وجوههن الحزن وبللت ايديهم واكتافهن دموع الصغار بعد ان تركوا خلفهم احلامهم بالعيد و العابهم وبالوناتهم يطيرها الهواء على اسفلت الطريق الميت الخالي من السيارات .
" مهاجر "
موضوع: لمن يأتي العيد ؟ " مهاجر " 
الأحد 3 مارس 2013 - 14:07
