أحمد الدريني
الإخوان ليسوا «موتسارت»
كان الطفل الإيطالي «أنتونيو ساليري» يبتهل إلى الله أن يصبح موسيقارًا عظيمًا، كي يخصص موسيقاه لأغراض دينية جليلة.. وكل ما كان ينتظره «ساليري» هو «التمكين» في الأرض كي يخدم «السماء».
طور «ساليري» من موهبته رويدًا رويدًا، محافظًا على عهوده لله، متدينًا مستقيمًا، إلى أن أصبح عازف البلاط في فيينا.
ووسط كل هذا لم ينكد عليه إلا الفتى الماجن الأخرق المدعو «فولفانج موتسارت»، فقد كان الأخير شابا منطلقا، لم يعرف عنه التدين.. لكنه كان موسيقيًا فذًا ألمعيًا وموهوبًا بصورة استثنائية، لدرجة أن موتسارت كان يتمتع بشعبية جارفة لم يحظ بها ساليري حتى وهو موسيقار البلاط.
الأمر الذي ترك غصة في نفس «ساليري».. أخذ على أثرها يسأل الله كثيرًا: «لماذا هذا المنحل أكثر موهبة مني؟».
في صفحات «الإخوان» ومواقعهم ينشرون صور ضحايا الاشتباكات الجارية قرابة نحو شهر، مشفوعة بتعليقات مقتضبة «فلان الفلاني.. قتلوه وهو ساجد»... «فلان الفلاني قتلوه وبيده مصحفه».. ليطرح السؤال نفسه: «هل اعتراضكم تحديدًا على قتله أم على قتله وهو يصلي أو وهو يمسك المصحف؟».
الصياغات اللفظية التي يسارع الإخوان لصكها لتوصيف كل حادث، تكشف وجه الخلاف الأعمق على الإطلاق، وهو أنهم يستنكرون قتل من هو «خير» على يد من هو «أدنى»!
فكيف يقتل «الجيش،الشرطة، البلطجية» شابًا يصلي أو يمسك المصحف؟ كيف تقتلون فتيات «مخمرات عفيفات؟».. والإيماء مفهوم هنا.. قتلتم المختمرة وقنصتم الشاب المصلي وتركتم البلطجي.. نحن أفضل منكم وأنتم تقتلوننا..هكذا ببساطة.
قبيل طوفان 30 يونيو، نشرت صفحات الإخوان «تدوينة» كتبها أحدهم يرد بها على كل من ليس إخوان، مفادها النهائي هو الإفصاح عن الإجابة الكامنة في نفس الجماعة.. وهو «لماذا أنا كإخوان أفضل منك أنت؟!».
يعتقد الشاب الإخواني- ضمنا- أنه أفضل ممن عداه، لأنه كان يحفظ القرآن في طفولته، بينما أقرانه يشاهدون كارتون مازينجر، وكان يذهب للصلاة في المسجد، بينما الباقون يلعبون الكرة في الشوارع والنوادي، مستمرًا في سرد بعض الشواهد التي يعتقد أنها مكامن تميزه عن الآخرين.. فهو حياته لله منذ نعومة أظافره، بينما أنتم- الأوغاد- كنتم تستمعون بالحياة وتلعبون وتشاهدون الكارتون! فمن خير منا عند الله؟.
«عمرك كنت بتروح وإنت صغير نادي صيفي تبع الإخوان بيعلموك فيه الأخلاق بدون مقابل؟.. عمرك شوفت ناس بتخاف على ولاد الناس ويبقى همهم يعلموهم الدين بدون مقابل؟.. عمرك نزلت معاهم تجمع تبرعات لإخواتك فى فلسطين أو سوريا أو أي مكان كان بيحصل فى أزمه؟».
الإخوان يعتقدون أن كل ما فعلوه وما يفعلونه هو لله.. فكيف تريد أن تعتبر نفسك أفضل منهم وأحق منهم بالحكم أو سواه؟
ببساطة، يريد الإخوان أن ندفع نحن ثمن فاتورة «تقواهم».
يبدو لي وجه الشبه مدهشًا، بين الإخوان و«ساليري»... كلاهما قطع على نفسه عهدًا أن يكون فعله لله.. وكلاهما لم يستوعب أن يوجد من هو أفضل منهما أو أكثر موهبة أو من هو أحق منهما بأي شيء على الإطلاق.. فنحن «من لسنا إخوانًا»، على اختلاف توجهاتنا وانتماءاتنا، في نظر الإخوان مثل «موتسارت» نحصل على نصيبنا من الحياة الدنيا لأسباب لا يفهمونها.. لكنهم في نهاية المطاف أكثر منا تقوى.. وكفى!
الإخوان في رابعة، يعتقدون بنزول جبريل- عليه السلام- في صفهم، ويقول قائل منهم: الاعتصام في رابعة خير من الاعتصام بالمسجد النبوي! إنهم لا يستوعبون أن يموت حافظو القرآن والمصلون..لا يستوعبون أن يموت «الإخوان» وبيد من؟، من هو أقل منهم شأنا ومقاما عند الله..هكذا بمنتهى التجريد والبساطة.
في بداية نشأة جماعة الإخوان المسلمين، سأل أحدهم: «هل جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة المسلمين أم جماعة من المسلمين؟» أي هل هي جماعة المسلمين، بما تعاهدت عليه وأقرته وفرضت على نفسها تنفيذه، ومن ثم فإن من هو خارجها ولا ينتمي إليها «ليس من المسلمين!».. أم هي جماعة من المسلمين، تنتمي للإسلام و«تجتهد» بصورة منفردة في مسارها وطريقتها، ومن ثم فإن من هو خارجها «من أهل الإسلام ولا غبار عليه؟».
حسم المرشد الثاني للجماعة المستشار حسن الهضيبي إجابة السؤال بأن «الإخوان» هي جماعة من المسلمين، ومن خارجها وليس من أفرادها هو من المسلمين ولا غبار عليه ولا على دينه، لكن هذا الحسم بدا سياسيًا أو تخريجًا حصيفًا يمكن الجهر به أمام الرأي العام، دون مصادمته بقناعة فادحة كتلك «من خارجنا ليس مسلما!»، بينما رسخ في النفوس ما رسخ، ووقر في القلوب ما وقر.
لقد حسم الإخوان المعادلة الإلهية واعتبروا أنفسهم الأقرب لله.. ومن ثم هم الأولى بإرث السماء والأفضل من أهل الأرض.
لم يحتج الإخوان بأن قتل معتصميهم ومحتجيهم، هو قتل لمعتصمين مدنيين أو لمواطنين يعتنقون رأيا سياسيا مجافيا لرأي الأغلبية، بمقدار ما انساب تعبيرهم العفوي «مذبحة الساجدين».. «قتل العفيفات». ومن ثم لا يستقيم-بداهة- أن يُقتل الساجدون القوامون الليل حافظو الكتاب حاملو لواء الإسلام..
بل دعنا نعيد صياغة الجملة الأخيرة مرة أخرى، ومن ثم «لا يستقيم –بداهة- أن يُقتل الساجدون القوامون الليل حافظو الكتاب حاملو لواء الإسلام.. ويعيش الآخرون!».
استغل «ساليري» احتياج موتسارت للمال ودفع له أموالا بصورة سرية كي يكتب له موسيقى القداس الجنائزى ريكويم Requiem، ونسبها «ساليري» لنفسه في إطار رحلة ورعه المزعومة. فقد يأس أمام موهبة «موتسارت» الفذة وقرر استغلالها سرا كي يتاجر بها أمام الناس.
انطوت صفحة «ساليري» من التاريخ، وحفظت الدنيا كلها ألحان الموهوب الألمعي «موتسارت».
الإخوان الآن في أسوأ مواقفهم مطلقا.. يتصرفون بلا عقل، في مواجهة جيش لا يعتقد أنه أقل درجة عند الله من أحد، وله حيثيات اعتداده الإيماني بنفسه، ولا ينظر لـ«الساجدين» إلا نظرة رجل دخل بيته فوجد لصا، وحين هم بالإمساك به، جهر اللص بتكبيرة الإحرام ووقف ليصلي ركعتين أولاهما بالبقرة والثانية بآل عمران..المسألة مع الجيش مسألة وقت، ومتى سينفذ صبره، سينهال ضربا على «اللص».
ومع هذا الجيش قطاع كبير من سكان المنزل من الدهماء والغوغائيين الذين لا يعنيهم الصلاة بالبقرة ولا الوقوف بآل عمران..«اللص» بنظرهم مجرد لص.. وضرب اللصوص في الأحياء الشعبية طقس مبهج ذي طابع كرنفالي أصيل.
وبين المعسكرين، يقف فريق ينظر بأسى، فلا هو اقتنع بصلاة الإخوان ولا هو رضي بضربهم أثنائها.