إبراهيم عيسى يكتب: اللعب على ملعب الإخوان
بعضنا يتصور أن الواقع الاقتصادى الصعب الذى تمر به مصر والتحديات
الحقيقية التى تواجهها البلد سوف تكشف قدرات الإخوان المهلهَلة فى إدارة
الحكم، وسيتضح للناس عدم دراية ولا خبرة ولا قدرة كوادر الإخوان وقياداتهم
فى شؤون السياسة والإدارة، وسوف يفقد الإخوان شعبيتهم نتيجة أزمات لن
يقدروا على حلها وأزمات بلا حل (إلا المُوجِع الخشن)، ووفقا لهذا التصور
الذى يتبناه بع
ضنا (الكثير) فالإخوان سيفقدون مع التيار السلفى أغلبيتهم فى الانتخابات القادمة.
وها أنا أقول لكم مبكرا جدا إن هذا التصور محشوّ بالكلام الفارغ الذى يعطل
القدرة اللازمة على منافسة الإخوان ومغالبتهم، طبعا هناك فعلا واقع صعب
وتحديات حقيقية، وبالقطع الإخوان المسلمون جماعة من الوعاظ والتجار
وثقافتهم لا تتجاوز كتيبات الجماعة، و«الإخوان» قائمة على السمع والطاعة
وتربى أعضاءها منذ مراهقتهم على التلقين وتسميع المحفوظات، وأهم نصائحهم
«لا تسأل ولا تجادل يا أخى»، و«القيادة تعرف وتفهم أكثر»، ويصعد للمراتب
العليا بينهم الأكثر طاعة والعضو الذى ينفّذ ولا يسأل، جماعة هذا حالها
وشأنها من الصعب أن يخرج منها مبدعون ومفكرون ومجددون حتى على مستوى الفقه
والكتابة الإسلامية، فلا يوجد عالِم إخوانى نابغ أو شيخ له باع وذراع فى
الفكر الدينى، ولهذا فالكل مغمور فى الإخوان ما عدا بعض أساتذة الجامعة
الذين يزاحمون الفضائيات ظهورا، ولا شفنا أمارة على أى تفوق أو نباهة، بل
كلهم متوسطو الموهبة والكفاءة فى كل شىء، من الكتابة إلى الخطابة إلى
مواجهة الجمهور. والمتأمل فى مستوى أعضاء الإخوان فى برلمان ٢٠٠٥ وبرلمان
ما بعد الثورة المنحلّ يرى من آيات ربه عجبا، فهناك من خمسة إلى ثمانية
بالكاد ذوو شأن، والباقون يعانون من الصمم والبكم السياسى، ولا شىء بارز
لدى الإخوان إلا القدرات التنظيمية لأنهم تَربَّوا على شكل التنظيم العسكرى
الذى يشبه طريقة عمل الشبيبة النازى مع قدرة ممتازة على توزيع الزيت
والسكر وأنابيب بوتاجاز ومنشورات دعاية وتطبيق إحصائيات التصويت على برنامج
«إكسل»، والمشكلة الفادحة التى تعانى منها الجماعة هى أهم ميزة تملكها،
وهى أن مصلحة الجماعة قبل أى مصلحة، بل مصلحة الجماعة هى مصلحة الوطن نفسه،
بس الوطن مش واخد باله، وهى مصلحة الإسلام ذات نفسه، بس الإسلام لا ينطق
وإنما ينطق الرجال، وأغلب الظن فعلا أن الجماعة غير الكفأة ولا النابهة ولا
المبدعة لن تقدر على حل مشكلات البلد، وأقصى ما ستفعله هو رسم لحية لسياسة
الرئيس السابق، إلا أن هذا لن يكون أبدا سببا لأى فشل لها فى الانتخابات
القادمة.
قد تخسر الانتخابات القادمة، لكن لن يكون هذا -إن حدث-
بسبب فشلها فى إدارة البلاد، ولا عشر أزمات ولا شلل للبلد ولا كذب الإخوان
وتراجعهم عن وعودهم وتناقض تصريحاتهم ولا تفاقم للديون ولا ارتفاع فى
البطالة ولا حتى انفلات فى الأمن ولا انفجار فى الأسعار يمكن أن تكون سببا
لفشل الإخوان ولا السلفيين معهم…
لأن الإخوان والسلفيين لا يبيعون
للناس أنهم متخصصو اقتصاد ولا يقولون للناس فى خطابهم إنهم خبراء فى تقدم
الأمم ولا إنهم أساتذة فى التصدير، بل إنهم يبيعون لهم فكرة أن الإخوان
جماعة الله وأنهم يدافعون عن الإسلام، ولهذا تتم محاربتهم من الشياطين فى
الداخل والخارج لأنهم «بتوع ربنا».
لهذا اقعد يا سيدى اشرح للناخب
فى الفيوم من هنا لبكرة واقتل نفسك حماسا مع الناخب فى أسيوط لتشرح أن
الإخوان وسياستهم سر تدهور الأوضاع وأنهم فشلة ولا يصلحون لإدارة البلاد،
ولن تجد رد فعل إلا أنك علمانى ليبرالى ملحد تريد أن تطفئ نور الله.
المعركة القادمة لن يفرق فيها إدارة الإخوان للحكومة أو الرئاسة، بل يفرق فيها قدرتك على الرد على اتهامك بمحاربة الله ورسوله.
لن تكون دعاية الإخوان والسلفيين فى الانتخابات القادمة لا نهضة ولا
يحزنون ولا هراء مثل هذا لا يصمد من فرط تهافُته عشر دقائق أمام مناكفة
فلاح فى كوم حمادة، لكنها ستكون أن حزب الدستور علمانى و«المصريين الأحرار»
صليبى واليسار شيوعى ملحد وأنهم يريدون إلغاء تدريس القرآن ولا يعترفون
بالسُّنة النبوية.
الإخوان لا يلعبون خارج ملعبهم، ومدرجاته تمتلئ بالجماهير.
لا حل إلا اللعب على ملعب الإخوان.