هل أصبح مؤيدو الإخوان طابوراً خامساً؟
تسويق طيبة وديمقراطية وقناعة وإيمان وإسلامية الإخوان في مقابل همجية ووحشية واستبداد الجيش المصري أصبحت نوعاً من الامتثال والإذعان لكل صور التخلف التي يمثلها سارقو الحق الإلهي لصالح الباطل الإنساني.
منذ متى كان الحديث عن الزعامة الدينية ديمقراطية وحرية وتطوراً من أجل الشعب؟
غثيان يصيب كياني كله عندما أتخيل لبرهة واحدة أن هناك مصرياً مازالت في جمجمته ذرة من بقايا مخ يؤمن أن بديع والشاطر ومرسي وعاكف وعاصم عبد الماجد ويوسف البدري ووجدي غنيم والبلتاجي والعريان وأبا إسلام وعبد الله بدر وخالد عبد الـله يمكن أن يكونوا طليعة دولة عصرية وقوية ومتسامحة وتمنح الفرصة المتساوية للجميع في وطن يندفع كالبرق ناحية ذيل ركب الحضارة لعله يلمسها أو يشم ريحها؟
هل سمعتم عن مظاهرة يقودها نقيب الصيادلة للمطالبة بتحويل الصيدليات إلى بسطــات لبيع الأعشاب الملوثة؟
ما يكاد يصيبني بمقتل هو أن المشهد لأكثر من عام من حُكم الاخوان والذي انتهى بوقف عجلة التطور، وتناثر بؤر الارهاب، وتهريب آلاف السجناء الخطرين، وعقد اتفاقيات فاضحة مع إسرائيل وأمريكا، ورفض استرداد أموال مبارك المنهوبة في مقابل تسول قرض يساوي مصروف جيب أحمد عز أو علاء مبارك، وتقسيم الوطن إلى علمانيين وإسلاميين، وإلى مسلمين وأقباط، وإلى مؤمنين وملحدين لم يحرك ساكنا لدى القوى المصرية التي تصر على تحدي الوطن بأربعة أصابع لتطزز عــَــلـَـمـَـه عاكفياً، ويبدأ الاستعداد لتزييف وتزوير التاريخ والدين والفتاوى والتأويلات.
شهر ونصف من اعتصام الأكفان ، وكل ساعة، وكل دقيقة تصرخ في وجوه عاشقي الوطن بأن المعتصمين جماعة كهفية هبطت على مصرنا من قعر التاريخ، وأكفان أطفالهم لا تختلف عن وأد الرضيعة في الجاهلية.
شهر ونصف والمعتصمون والمنـَـصِّـيون والغوغاء والأوغاد أصبحوا قاب قوسين من التبوّل على يونيفورم الجندي المصري فهو يـُـذَكـِّـرهم بالوطنية، وهم يسعوّن لأنْ يستبدلوا بها الطائفية المقيتة.
لم يكونوا دُعاة دين، ولكن تقسيم وتفتيت وتفكيك وتمزيق وطن ليصبح، سُنة وشيعة وأقباطــا وبهائيين ويهودا وكفاراً واشتراكيين وشيوعيين، واتبع الاخوان سياسة "فــَـرَّقْ ..تـَـسـُـدْ" الاستعمارية.
النتيجة الطبيعية لعام واحد فقط من حُكمهم النجس أصبح الشارع ينبض عنفا، والمزايدة الدينيةُ الخطابَ الوحيدَ المعترَف به، والاستعلاء البغيض للاخوان كأنه إشارة بدء لخمسمئة عام من الحُكم.
تسويق شرعية الاخوان في مقابل انقلاب الجيش عملية خداع سقط فيها، للأسف الشديد، عدد هائل من الكتاب والمفكرين والإعلاميين والجزيريين، وسقطت من ذاكرتهم أيام سوداء تحالف فيها شياطين الاخوان مع كل البلطجية والمجرمين والظواهريين.
ما يحزنني هو انضمام مسلمين من الخارج، من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وفلسطين ولبنان وتركيا واليمن والأردن والسودان و ... رغم أنهم عانوا الإذلال من الجماعات الدينية، والحسن الثاني أمير المؤمنين فتح لهم السجون الشيطانية باسم الـله، وجزَّت الجماعات الدينية في الجزائر رؤوس الأطفال باسم الـله، وفتحت قياداتُ غزة المعتقلات باسم اللـه، وزادت بيوت الأشباح السودانية في عهد النميري باسم اللـه، وانقسم السودانُ في عهد البشير كما أراد الاخوان فصلَ سيناء باسم الـله.
حالة غير مفهومة من كراهية لجيشنا تنتشر كالطاعون بين المتطرفين، رغم أنهم تحالفوا مع مبارك، وعبــَّـدوا الطريق لابنه الوريث، وخرسوا في عهد المشير.
انقلاب عسكري أو شعبي أو بطيخي فنحن معه حتى ينتهي آخر متطرف يتحدث باسم الدين، ويزايد على إسلامنا، ويزعم أنه الأقرب إلى اللــه مـِـنـّـا.
أقسم بكل ما في كياني من حب للوطن أنه لو أخرج السيسي من سيناء الأطفال والنساء والشيوخ ومن يتبرأ من الجماعات الدينية، وأعطاهم الأمن والأمان، ثم جعل سيناء قاعا صفصفا تذروه الرياح، وأنهى كل رئة تتنفس فوق رمالها الحارقة فسأكون أول من يدعمه، وإذا نكث وعده بعد ذلك، وأغمض عينيه عن الفساد، وأعاد رجال مبارك والمشير، وسمح للأمن والجيش بالاعتقال العشوائي والتعذيب واهانة كرامة المواطن فسأكون أول من يدعو للعصيان المدني ضده، بل أكثر مما فعلت ضد مبارك والمشير ومرسي. في هذا الوقت العصيب الذي يتغنى بالثناء على دولة الخلافة المزعومة معاقون ذهنيا أعتبر أن الانضمام إلى أي جماعة دينية أو حزب أو فرقة لا يختلف عن الاشتراك في تفخيخ سيارة أمام مستشفى للأطفال أو بيت للمُسنــّـين.
الاحتيالُ ليس فقط تبييض الأموال، لكنه تبييض الدين و.. تسويد القلوب.
إنني أشك في كل مدافع عن الاخوان والجماعات الإسلامية والاعتصام وشرعية مرسي وأعتبره عــِـبريَّ الهوىَ، إسرائيليَّ الفكر، أوبـاميَّ العاطفة، إلا أن يكون المؤيد أو المدافع أو المتعاطف أو الرابعيُّ الاعتصام والجزيريُّ الخبر جاهلا أو أمـيـَّـاَ أو متخلفا عقلياً.
كراهية الاخوان ومن يلتصقون في ذيولهم للجيش المصري أحد ألغاز عصرنا ولعل السبب هو أن الجماعات الدينية انتهت من مصر إلى الأبد مع فضِّ الاعتصاميــّـن، وطريقهم الوحيد يمر عبر عرقنة ولبننة وأفغنة وجزأرة مصر لعلها تقع في أيديهم ثمرة ناضجة حتى لو كانت معطوبة.
كلما رأيت مصرياً يرفع الكفَّ الصفراء بأصابعها الأربعة أتحسس جسد مصر وترابها ونيلها وآثارها فهي كفُّ مسمومة ولو تم رفعها بالدعاء إلى السماء، فالشيطان فقط يعرف أن الأصابعَ مقتطــَعة من قـَرْنـَـيـّـه!
محمد عبد المجيد