تعتبر جماعة الإخوان المسلمين من الجماعات الإسلامية التى لعبت دورًا بارزًا فى الحياة السياسية فى مصر والوطن العربى، على مدار ما يقرب من قرن كامل منذ نشأتها على يد الإمام حسن البنا عام 1928، حتى وصولها للسلطة فى يوليو 2012 بانتخاب الدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة، رئيسا للجمهورية الثانية لمصر بعد ثورة يناير.
فقد مرت الجماعة على مدار تاريخها الذى يقارب 85 عاما، بمراحل الشد والجذب مع حكام مصر منذ عام 1928، حتى وصولها للسلطة فى عام 2012.
فى هذا الملف نرصد أهم المحطات التاريخية فى حياة جماعة الإخوان المسلمين على مدار 85 عاما، وكيفية تعاملها مع السلطة الحاكمة فى مصر على مدار تاريخها.
مؤسس الجماعة
ولد الإمام حسن البنا فى 25 شعبان 1324هـ الموافق أكتوبر 1906م، بالمحمودية بمحافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية, نشأ فى أسرة متعلمة، وكان والده الشيخ أحمد عبد الرحمن الشهير بالساعاتى، نظرا لعمله فى إصلاح الساعات، وكان من علماء الحديث الأفذاذ، وهو مؤلف كتاب "الفتح الربانى لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل".
التحق البنا بمدرسة الرشاد الدينية فى الثامنة من عمره، واستمر لمدة أربع سنوات، وكانت هى الأساس والقاعدة الصلبة التى استند عليها فى تجاوز مراحل تعليمية لاحقة، ثم انتقل بعد ذلك إلى المدرسة الإعدادية ثم إلى مدرسة المعلمين الأولية عام 1920م، وتخرج منها مدرساً، ثم أكمل دراسته فى دار العلوم بالقاهرة بتفوّق سنة 1927م، وكان على صلة بمحب الدين الخطيب، والتقى بجمهرة من العلماء بالمكتبة السلفيّة أثناء تردده عليها.
نشأة الجماعة
فى ظل تشتت الأمة الإسلامية ووقوعها تحت نير الاستعمار البريطانى والفرنسى والإيطالى والغزو الفكرى الأوروبى للوطن العربى، أخذ الإمام البنا يدعو الناس إلى العودة إلى السلام ونشر مبادئ الإسلام فى جميع المدن المصرية والريف, حيث زار الإمام حسن البنا فى منزله، حافظ عبد الحميد، وأحمد المصري، وفؤاد إبراهيم، وعبد الرحمن حبيب الله، وإسماعيل عز، وزكى المغربي، الذين تأثّروا من محاضراته
أسس حسن البنا جماعته فى مدينة الإسماعيلية عام 1928، كحركة جامعة شاملة تُعنى بالإصلاح الاجتماعى والسياسى، وما لبثت أن انتقلت إلى القاهرة، وفى ثلاثينيات القرن العشرين، زاد التفاعل الاجتماعى والسياسى للإخوان المسلمين وأصبحوا فى عداد التيارات المؤثرة سياسياً واجتماعياً.
وطبقاً لمواثيق الجماعة فإن "الإخوان المسلمين" لديهم مشروع إصلاحى كبير سياسى واجتماعى واقتصادى من منظور إسلامى شامل فى مصر والدول العربية، أى إقامة الخلافة الإسلامية بطريقة تتواكب مع العصر الحديث، كما أن الجماعة كان لها دور فى دعم عدد من الحركات الجهادية التى تعتبرها حركات مقاومة فى الوطن العربى والعالم الإسلامى ضد كافة أنواع الاستعمار أو التدّخل الأجنبي، مثل حركة حماس فى فلسطين، وحماس العراق وقوات الفجر فى لبنان،
هيكل الجماعة
تتشكل جماعة الإخوان المسلمين من عدد من الهيئات، وذلك على النحو التالي:-
أولا.. هيئة مكتب الإرشاد، وتتكون من 16عضوا، يرأسها المرشد العام، وهو الرئيس الأعلى للهيئة، كما أنه رئيس مكتب الإرشاد العام، ويبايعه الإخوان فى الشُّعب المختلفة عن طريق رؤسائهم، ويجددون بيعتهم معه لأول لقاء يجتمعون به فيه، ويقوم المرشد العام بمهمته مدى حياته.
وقد تكون أول مكتب إرشاد بعد دعوة المرشد العام حسن البنا نواب فروع الإخوان المسلمين فى القطر المصرى، لعقد المؤتمر العام الأول للجماعة، "مجلس شورى الجماعة"، فى مدينة الإسماعيلية يوم الخميس 22 صفر1931م، ونتج عن هذا المؤتمر تكوين مكتب الإرشاد الأول للجماعة من فضيلة المرشد وعشرة أعضاء.
ثانيا.. الأمين العام، ويمثل مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين، تمثيلا كاملا فى كل المعاملات الرسمية والقضائية والإدارية، إلا فى الحالات الخاصة التى يرى المكتب فيها انتداب شخص آخر بقرار رسمى منه، ومهمة السكرتير العام تنفيذ قرارات مكتب الإرشاد العام، ومراقبة نواحى النشاط وأقسام العمل بالمركز العام، وله أن يستعين بغيره من الأعضاء أو الموظفين، ولكنه هو المسئول أمام المكتب عما يسند إليهم من أعمال، وفى حالة غياب السكرتير العام أو تعذر قيامه بعمله، ينتدب المكتب من بين أعضائه من يحل محله مؤقتا.
ثالثا.. الأقسام واللجان، وهى هيئات مركزية متخصصة تابعة لمكتب الإرشاد العام يؤلفها المكتب من بين أعضائه أو من بين أعضاء الجماعة العاملين وهى تخضع له وتتبعه، ومقرها المركز العام، وتعرض أعمال الأقسام واللجان على المرشد العام، أو على المكتب إذا رأى المرشد ذلك أو رآه المكتب، ويعين مكتب الإرشاد رؤساء الأقسام واللجان.
رابعا.. الشُّعب والفروع الخارجية، حيث قام المركز العام للإخوان بإنشاء شعب وفروع فى البلاد العربية والإسلامية وغيرها، مع ملاحظة الأوضاع والظروف الخاصة، وتحدد الصلة بينه وبينها بلوائح وقرارات فى مؤتمرات جامعة تضم ممثليه وممثلى هذه الشعب.
خامسا.. الشُّعب، وهى أصغر الوحدات الإدارية، بحيث "يمكن أن تتكون شعبة فى كل قرية أو بلدة وهى تتألف من مجموعة الأسر الموجودة فى كل بلد، ويدير شئون الشعبة مكتب مكون من خمسة أشخاص، أحدهم يختاره المركز العام، وهو رئيس الشعبة أو نائبها، والأربعة الباقون تنتخبهم الجمعية العمومية.
سادسا.. المناطق، وهى تتألف من مجموع الشعب الواقعة فى حدود مركز إدارى مصرى، ويقود المنطقة رئيس الشعبة الرئيسية، ويجوز المركز العام أن يختار رئيسا للمنطقة.
ثامنا.. المكاتب الإدارية، وهى تتألف من مجموع المناطق الواقعة فى حدود أى محافظة من المحافظات المصرية، ويقود المكتب الإدارى رئيس الشعبة الرئيسية من بين شُعبه
شورى الجماعة
مجلس الشورى العام، أو كما كان يسمى "الهيئة التأسيسية"، وهو السلطة التشريعية لجماعة الإخوان المسلمين، وقراراته ملزمة، ومدة ولايته أربع سنوات وتتضمن مهامه الإشراف العام على الجماعة وانتخاب المرشد العام.
أعضاء المجلس
يتألف مجلس الشورى العام من ثلاثين عضوا على الأقل، يمثلون التنظيمات الإخوانية المعتمدة فى مختلف الأقطار، ويتم اختيارهم من قبل مجالس الشورى فى الأقطار أو من يقوم مقامهم، ويحدد عدد ممثلى كل قطر بقرار من مجلس الشورى، ويجوز لمجلس الشورى إضافة خمسة أعضاء من ذوى الاختصاص إلى عضوية المجلس، ويمكن تمثيل أى تنظيم إخوانى جديد فى مجلس الشورى إذا اعتمده مكتب الإرشاد العام
مرشدو الجماعة
يعتبر الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة هو أول مرشد للإخوان (1928-1949)، تلاه حسن الهضيبى المرشد الثاني (1949-1973)، وبعد وفاة الهضيبى اختارت الجماعة الشيخ عمر التلمسانى، مرشدا ثالثا لها
(1973-1986)، تلاه محمد حامد أبو النصر، المرشد الرابع للجماعة (1986 – 1996)، ثم مصطفى مشهور، المرشد الخامس للجماعة الذى عرفت بيعته ببيعة القبور، بعد مبايعته أثناء تشييع جثمان المرشد السابق له حامد أبو النصر، بعد تعذر اجتماع مجلس شورى الجماعة، بسبب الملاحقات الأمنية، وامتدت ولايته من (1996 – 2002)، ثم جاء بعده محمد المأمون الهضيبى المرشد السادس للجماعة (2002 – 2004)، تلاه محمد مهدى عاكف، المرشد السابع (2004م - 16 يناير 2010)، وهو المرشد الأول فى الجماعة الذى قرر عدم التمديد له، وقرر إجراء انتخابات مبكرة للجماعة فى 2010، وانتخب مجلس شورى الجماعة الدكتور محمد بديع المرشد الثامن للإخوان من عام2010 حتى الآن.
الجماعة والملوك
بدأت علاقة الإخوان مع أول حاكم لمصر فى عهدها بالملك فؤاد 1928-1936، حيث بدأت بعلاقة حميمية بعد إعلان الإخوان عن تأييدهم للملك فؤاد منذ تكوين جمعيتهم فى الإسماعيلية، وإن كانت العلاقة بين الإخوان والملك فؤاد، قد شابها بعض التوتر فى بداية تكوين الجماعة بالإسماعيلية، بعدما قامت أجهزة الأمن السرية برفع تقرير لجلالته اتهمت فيه الإخوان بسب الذات الملكية، فأمر فؤاد بالقبض على البنا وأعضاء الجماعة والتحقيق معهم، وثبت من التحقيق بطلان التهمة.
الإخوان وفاروق
عقب وفاة الملك فؤاد، رثته صحيفة "الإخوان" بمقال كبير تحت عنوان: "مات الملك.. يحيا الملك"، كان الغرض من ورائه هو جذب عطف ولى العهد الجديد الملك فاروق، الذى كان يتولى رعايته رجل دينى وهو الشيخ المراغى القريب من الجماعة، فكان يدعوه دائما إلى التمسك بالتقاليد الإسلامية التى كان يتحلى بها والده.
وفى أول خطوة للتقارب بين الإخوان والملك فاروق، نشرت صحيفة الإخوان مقالا كبيرا تحت عنوان: "جلالة الفاروق المثل الأعلى لأمته"، وتولت جريدة "الإخوان المسلمين" مهمة تعبئة الرأى العام ولفت نظره إلى خطوات فاروق الدينية، فتبين كيف ملك قلوب رعيته بغيرته على الدين، وتصف استقبال الجماهير له وهو فى طريقه إلى مسجد أبى العلاء لتأدية الصلاة ودعواتهم له وهتافاتهم بحياته، وتنقل بعض اللقاءات وتأتى بالقصص التى تؤكد أن العصاة عرفوا طريق المساجد، اقتداءً بجلالة الملك، حيث اعتبروه مثلهم الأعلى.
وفى التاسع والعشرين من يوليو 1937، رفعت الوصاية عن فاروق، حيث بلغ سنه ثمانية عشر عاما، وأصبح ملكاً رسمياً للبلاد، وعقد الإخوان مؤتمرهم الرابع للاحتفال بهذه الذكرى وحشدوا عشرين ألفاً أو يزيد، تشاركهم جماعة الشبان المسلمين، من فرق الرحالة الجوالة، ووفود شعبهم فى الأقاليم، وهتفوا بمبايعتهم للملك المعظم مع هتافات إسلامية، وهو الأمر الذى جعل الملك يطمئن للإمام حسن البنا، ويتواصل معه، حتى انهمر سيل الإخوان إلى ساحة قصر عابدين، رافعين أعلامهم يهتفون: (الله أكبر، ولله الحمد، الإخوان المسلمون يبايعون الملك المعظم، نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله).
وفى عام 1938، انتهى شهر العسل بين جماعة الإخوان وجلالة الملك، وتحديدا فى حفل زفافه، حيث انتقد الإخوان فرح الملك ورفضوا المشاركة فيه بسبب ما شابه من مخالفات شرعية من اختلاط بين الرجال والنساء ورقص وخمور وعرى فى وقت كانت الجماعة تناشد الأمة بمشاركة فرح الملك الذى لقبوه بأمير المؤمنين، وألقت الجماعة اللوم على الشيخ المراغى وطالبته بالحرص على اللقب وحض الملك والحكومة على تطبيق شريعة الإسلام، لكن الجماعة مع ذلك أعلنت عن عدم تخليها عن تأييد الملك والسعى معه لتحقيق أمنية الخلافة، وأعلنت صحيفتهم أنهم يهبونه الروح.
اغتيال البنا
فى فبراير 1942، فرض الإنجليز على الملك أن يولى الوزارة للوفد بقوة السلاح، فانقلب الإخوان على الوفد، وحاولت استغلال هذا الأمر للسيطرة على القصر الملكي، وقام بإعادة إصدار صحيفة "الإخوان" يتصدرها صورة الملك فاروق وفى يده المسبحة، وظل البنا يساند الملك حتى نجح فى إقالة حكومة الوفد، فعاد الإخوان للقصر مرة ثانية، ولكن الملك لم يسترح لحسن البنا الذى استخدم سياسة منتصف العصا بين "الوفد" والملك، ولم تعد العلاقة كسابق عهدها.
وعقب حرب فلسطين التى تورط فيها فاروق فى صفقة الأسلحة الفاسدة للجيش المصرى بفلسطين، ازدادت حدة الخلافات بين الملك والإخوان، خاصة بعد تداول القضية فى المحاكم المصرية واتهام الملك فاروق بتلقى عمولات ورشاوى فى صفقة أسلحة فاسدة، وهو الأمر الذى سبب شرخًا بين فاروق والإخوان.
وبعد الحرب العالمية الثانية شارك الإخوان المسلمون فى حرب 1948 لتحرير فلسطين بكتائب انطلقت من مصر بقيادة البطل أحمد عبد العزيز، والصاغ محمود لبيب، والشيخ محمد فرغلى، وسعيد رمضان
وعقب عودة كتائب الإخوان من حرب فلسطين، أصدر محمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء المصرى آنذاك قرارا بحل الجماعة بتهمة التحريض والعمل ضد أمن الدولة، فقرر عدد من أعضاء الجماعة اغتيال النقراشى باشا، فقام عبد المجيد حسن أحد طلاب الإخوان بكلية الطب البيطرى بجامعة فؤاد الأول "القاهرة حاليا"، باغتيال النقراشى بعد أن تسلل إلى وزارة الداخلية وهو يرتدى زى ضابط شرطة، فلم يشك فيه أحد حتى تمكن من إطلاق النار على النقراشى، فأرداه قتيلاً وألقى القُبض عليه فى الحال، وأودع السجن وهو الأمر الذى أدانه حسن البنا وتبرأ منه، بمقولته الشهيرة على القتلة "ليسوا إخوانا، وليسوا مسلمين".
وبعد اغتيال النقراشى باشا بعدة أشهر، تم اغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا مساء السبت 12 فبراير 1949، إلا أن الجماعة لم تنكسر وقامت برفع دعوى قضائية عام 1951، طالبت فيه بإلغاء قرار حل جماعة الإخوان المسلمين رقم 63 لعام 1948م، وبالفعل صدر قرار من المحكمة بعودة الجماعة، فقررت انتخاب أول خليفة لها بعد البنا، وهو المستشار حسن الهضيبي.
عبد الناصر والإخوان
كانت البداية عام 1940، عندما تعرف على محمود لبيب أحد الضباط الأحرار الإخوان، الذى دعا عبد الناصر إلى الانضمام لتنظيم الإخوان، وبالفعل بدأ عبد الناصر فى التردد على الإخوان، وتعرف على حسن البنا، وبعد شهور قليلة انضم للجماعة وأصبح عضوا فيها هو ومجموعة من ضباط الثورة، وشارك فى تدريب الإخوان عسكريا وفى توفير السلاح لهم، لما كان يسمى «النظام الخاص» الذى أنشأه حسن البنا لسببين: الأول محاربة الاستعمار الإنجليزى، والثانى الاستعداد للحرب فى فلسطين، والإمام البنا كان لديه تصور لهذا النظام الخاص الذى حاز إعجاب عبد الناصر، وانضم إليه فى أوائل الأربعينيات، وأصبح جزءا من مشروعه، وظلت العلاقة بينهما طيبة لفترة طويلة، ثم توترت بعد ثورة 52، حيث بدأت بوادر الخلاف مع الإعلان عن تشكيل الحكومة، حيث كان هناك اتفاق قبل الثورة على أن يكون الحكم بالشريعة الإسلامية، وهو الأمر الذى رفضه عبد الناصر خوفا من الضغوط الدولية، كما اختلف الإخوان وعبد الناصر حول تشكيل الحكومة ومشاركة الإخوان فيها، ثم تطور الخلاف بعد إقصاء عبد الناصر لمحمد نجيب والضباط الأحرار سنة 54، مما دفع الإخوان للقيام بمظاهرة فى محيط قصر عابدين بقيادة عبد القادر عودة، المحامى، واضطر عبد الناصر للتراجع عن القرارات التى اتخذها فى حق نجيب عقب إضراب مارس الشهير.
وعاد نجيب إلى الحكم، إلا أن الأمر لم يستقم وظل الخلاف بينهما قائما، خاصة بعد أن زادت مطالبهم بعودة الضباط الأحرار إلى ثكناتهم وعودة الحياة المدنية مرة أخرى، ثم وقعت أحداث المنشية الشهيرة التى اتهم فيها عبد الناصر الإخوان بمحاولة اغتياله، وقام باعتقال عدد كبير من أعضاء الجماعة، وزج بهم فى السجون،
السادات والإخوان
فى بداية السبعينيات من القرن الماضى، رحل حكم عبد الناصر وانتخب المصريون الرئيس محمد أنور السادات، الذى بدأ حياته بثورة التصحيح التى لم تبتعد كثيرا عن التحالف مع الإخوان، ثم الانقلاب عليهم ومصالحتهم، ثم سجنهم، وهكذا كانت وتيرة الحياة بين تحالفات الإخوان والسادات.
بدأت علاقة السادات مع الإخوان فى فترة مبكرة من حكمه، وذلك فى صيف عام 1971، فى استراحة الرئاسة بجناكليس فى الإسكندرية، وبترتيب من الملك فيصل ملك السعودية، الذى رتب لقاء السادات بزعماء الإخوان فى الخارج، ومن بينهم سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا، ورئيس المنظمة الإسلامية فى جنيف التى كانت ترعاها السعودية.
وفى هذا اللقاء، كما يقول الكاتب والمؤرخ الدكتور عبد العظيم رمضان، إن السادات قال لهم "إنه يواجه نفس المشاكل التى قاسوا منها، ويشاركهم أهدافهم فى مقاومة الإلحاد والشيوعية، وعرض عليهم استعداده لتسهيل عودتهم إلى النشاط العلنى فى مصر"، وبالفعل قام السادات بالإفراج عن المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين، وقام السادات بتشجيع أنشطة الإخوان لمواجهة المد الشيوعى فى المجتمع المصرى، مما أعطاهم الكثير من الفرص لتحقيق أهدافهم السياسية للتغلغل داخل أوصال الحياة السياسية والاجتماعية والنشاطات النقابية، حتى باتت جماعة الإخوان المسلمين صداعًا فى رأس حكم السادات، خاصة بعد توقيعه لاتفاقية السلام، التى كانت الفاصل القاسم النهائى فى علاقة الإخوان بالسادات، فانقلب عليهم بعدما ناهضوا اتفاقياته ونشاطاته من أجل تحقيق السلام، وشجعوا القوى المختلفة معه على الانقلاب ضده، فبدأ فى اعتقالهم وسجنهم فحرض الإخوان على اغتيال السادات.
مبارك والجماعة
بعد اغتيال السادات فى أكتوبر 1981، انتخب المصريون الرئيس السابق حسنى مبارك، والذى اتبع فى بدايات حكمه سياسة المصالحة والمهادنة مع جميع القوى السياسية، ومنهم الإخوان، وفى التسعينيات ظهرت حركات معارضة لحكم مبارك ومعارضة لاعتراف حكومة مبارك، مثل حكومة السادات بالصلح مع كل الدول مثل أمريكا وروسيا وإسرائيل.
وقامت أجهزة الأمن المصرية من آن لآخر بالقبض على مجموعات وأفراد من الإخوان المسلمين ومصادرة أموال فلم يكن أمام الإخوان أى خيار سوى التفاوض مع النظام، وخاصة أن الجماعة استغلت ملف التوريث لتمرير بعض مطالبها فى كثير من الأحيان.
ففى برلمان 2005، نجح الإخوان المسلمون فى مصر فى الحصول على 88 مقعدا فى مجلس الشعب، من خلال صفقة سياسية مع النظام بضغوط من الإدارة الأمريكية وحصل الإخوان على خمسة أضعاف العدد الذى حصلوا عليه فى برلمان عام 2000م، إلا أنه فى الوقت نفسه يعادل أكثر من 6 أضعاف الفائزين من كل أحزاب المعارضة فى نفس الانتخابات، ليصبحوا بذلك أكبر قوة معارضة فى البلاد للحزب الحاكم بنسبة 20% من مقاعد البرلمان.
ثورة 25 يناير
انطلقت ثورة 25 يناير 2011 فى ذكرى عيد الشرطة بدعوة من العديد من جبهات المعارضة المصرية والمستقلين، أبرزها حركة شباب 6 إبريل، وحركة كفاية وبعض الأحزاب السياسية، فضلاً عن مجموعات الشباب العاطلين الذين دعوا للخروج عبر موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك وتويتر، والتى من أشهرها مجموعة «كلنا خالد سعيد» و«شبكة رصد» وشباب الإخوان المسلمين.
وفى بداية الثورة، أعلنت جماعة الإخوان أنها لن تشارك كقوى سياسية أو هيئة سياسية فى الخروج للثورة، لأن المشاركة تحتاج إلى تخطيط واتفاق بين كافة القوى السياسية قبل النزول إلى الشارع، إلا أن الجماعة حذرت من أن استمرار الحال على ما هو عليه، مما قد يؤدى إلى حدوث ثورة شعبية، ولكن على حد وصفهم «ليست من صنعنا»، إلا أن تطور الأمور وخروج الجموع الشعبية أدى إلى إسقاط النظام وإعلان الرئيس السابق تنحيه عن الحكم فى 11 فبراير 2011.
الحرية والعدالة
بعد إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن تعديل قانون الأحزاب السياسية، قامت جماعة الإخوان المسلمين بتأسيس أول حزب سياسى لها وهو حزب الحرية والعدالة، وجاء فى تعريف الحزب أنه "حزب مدنى ذو مرجعية إسلامية"، ويؤكد أنه "حزب لكل المصريين دون تمييز"، ويمارس نشاطه "طبقا للدستور المصري"، ويعمل على نهضة الأمة وتحقيق آمال وطموحات الشعب، ومنها أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، ترأس الحزب منذ تأسيسه الدكتور محمد مرسى الذى انتخب بعد ذلك رئيسا للجمهورية، وخلفه فى رئاسة الحزب الدكتور محمد سعد الكتاتنى.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
المطرودون من جنة الإخوان
"السندى" أول طريد للجماعة بعد تمرده على البنا وتحالفه مع عبد الناصر
"السكرى" أسس جماعة "الإخوان المجاهدون الأحرار" بعد انفصاله
"ماضى" أسس حزب الوسط فتم إقصاؤه
أبو الفتوح قدم استقالته بعد اعتراض الإخوان على ترشحه للرئاسة
"حبيب" طعن على انتخابات المرشد فتم إقصاؤه.. ولعنة عمر سليمان لحقت بالزعفرانى
أجمع الخبراء والمؤرخون أن سر قوة الإخوان يكمن في خضوع جميع أعضائها لقانون السمع والطاعة، فضلًا عن القرار الحاسم للجماعة بطرد أي عضو يكفر ببيعة المرشد العام للإخوان أو ينشق عن الجماعة، وكان هذا نفس ما حدث مع جماعة "شباب محمد" أول جماعة تعلن انشقاقها عن الإخوان المسلمين عام 1939، وهو نفس ما حدث مع الدكتور كمال الهلباوى، آخر أعضاء الجماعة المنشقين فى 2012.
وشهدت جماعة الإخوان المسلمين بعد الثورة، أكبر حالة فصل واستقالات لأعضائها، بسبب دعم المجلس العسكري، ضد الثورة، فضلًا عن اتهامات بالتفاوض مع عمر سليمان أثناء الثورة لإخلاء الميدان من أعضاء الجماعة مقابل السماح بتأسيس حزب وجمعية، فضلًا عن عدم نظر الطعون المقدمة فى انتخابات مكتب الإرشاد فى 2009.
الغريب أن الاستقالات التي شهدتها جماعة الإخوان المسلمين، طالت القيادات التاريخية للجماعة، مثل عبد المنعم أبو الفتوح لترشحه للرئاسة وأبو العلا ماضى لتأسيسه حزب الوسط، ومحمد حبيب، وإبراهيم الزعفرانى لتشكيكه فى انتخابات المرشد العام، كما تم فصل داعمى أبو الفتوح، و10 من شباب الإخوان خالفوا قرار الجماعة بعدم الانضمام لأى حزب سوى "الحرية والعدالة"، وقاموا بتأسيس حزب التيار المصرى، من بينهم: إسلام لطفى، وعبد الرحمن خليل، وكانت آخر حالة استقالة للدكتور كمال الهلباوى، بعد أن دفعت الجماعة بخيرت الشاطر فى انتخابات الرئاسة رغم قرارها السابق بعدم خوض الانتخابات الرئاسية.
عبد الرحمن السندى
أما عن أشهر الانشقاقات التاريخية في بداية نشأة الإخوان فكان أشهرها انشقاق عبد الرحمن السندي، قائد التنظيم الخاص أو الجناح العسكرى للإخوان المسلمين، الذي أسسه البنا لمحاربة الإنجليز كما يقول عمر التلمسانى، المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين: «أنشأت الجماعة هذا النظام، عام 1936 بهدف تحرير مصر من الاستعمار البريطانى، ثم انحرف عن الطريق».
قام عبد الرحمن السندى، الذى أوكل له حسن البنا قيادة التنظيم الخاص للإخوان المسلمين، بتفجير النادى البريطانى الذى كان مكتظًا بضباط وجنود الجيش الإنجليزى ليلة عيد الميلاد، لكن التفجير لم يخلف أى ضحايا.
وعقب وفاة البنا وحسب شهادات الأخوان التاريخية تمرد السندي على حسن الهضيبى، المرشد الثانى للإخوان المسلمين، عندما قرر الأخير إعادة النظر فى النظام الخاص، وإعفاء السندى من مهمة قيادته، وأوكل إياه إلى أحمد حسنين، لكن السندى أعلن تمرده على الهضيبى، وقام مع بعض أنصاره باحتلال المركز العام للجماعة، وذهابه معهم إلى منزل الهضيبى وإساءتهم إليه، مما دفع هيئة مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية إلى اتخاذ قرار بفصل السندى وبعض زملائه، وتعيين يوسف طلعت مكانه.
وعقب عزل السندي شهدت جماعة الإخوان المسلمين العديد من عمليات التصفية الجسدية والاغتيالات كان أبرزها مقتل سيد فايز عضو التنظيم الخاص، بعلبة حلوى مفخخة، تبعتها تصفيات جسدية لعدد من أعضاء النظام الخاص، نسبت جميعها إلى عبد الرحمن السندى ورفاقه المفصولين.
ويقول عمر التلمسانى إن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، نجح فى استمالة السندى بتعيينه فى شركة شل للبترول، وأسس له فيلا، واتهم السندى بأنه ساعد عبد الناصر، فى التخلص من النظام، والإبلاغ عن أعضائه.
أحمد السكرى
ومن أشهر المنشقين عن جماعة الإخوان المسلمين أحمد السكرى، الشخص الأكثر إثارة للجدل فى تاريخ الجماعة، والذى وصل إلى منصب وكيل إمام الإخوان المسلمين، حسن البنا، قبل أن تصدر الجماعة قرارًا بخروجه منها، ليؤسس جمعية «الإخوان المجاهدون الأحرار»، ويتخذ لها مقرًا فى ميدان الخديوي إسماعيل، غير أنها كشأن التجارب المنشقة عن الإخوان، لم تدم كثيرًا، فانضم بعدها إلى جماعة مصر الفتاة.
تعرف «السكرى» على حسن البنا فى جمعية الإخوان الحصافية، وأسسا سويًا جمعية «الحصافية الخيرية» برئاسته، وكان البنا سكرتيرًا لها بهدف «محاربة المنكرات والتصدى للتبشير» وبعد تأسيس جماعة الإخوان المسلمين بالإسماعيلية عام 1928، أنشأ شعبة للإخوان بالمحمودية، وصار نائبًا لها عام 1929، وشارك فى أول اجتماع لمجلس شورى الإخوان فى 15يونيو 1933، ثم اختير عضوًا منتدبًا فى مكتب الإرشاد، وبعد أن انتقل الإخوان للقاهرة اُختير وكيلًا لـ«البنا»، كما ترأس الإدارة السياسية لمجلة الإخوان المسلمين، قبل أن يفصل عام 1947 لمخالفته «منهج الجماعة».
ووفقًا لرواية الإخوان، فى الموسوعة الرسمية لتاريخ الإخوان المسلمين، فإن أسباب فصل السكرى بدأت بشن السكرى هجومًا على البنا فى مقالات فى جريدتى صوت الأمة والكتلة، ذكر فيها أن البنا له اتصالات ببعض الشخصيات الأجنبية، وهى اتهامات لم يستطع السكرى، أن يقدم سندًا على صحتها، واتهم السكرى، البنا، بالاستبداد فى اتخاذ القرار، فقررت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين توجيه اللوم إليه واتخذت القرارات الآتية: «إعفاء كل من محمد عبد السميع الغنيمى أفندى وسالم غيث أفندى وأحمد السكرى أفندى من عضوية الجماعة، لما تعرفه الهيئة من تصرفات الأستاذ أحمد السكرى، واعتباره مُناقضًا للعهد حانثًا باليمين خارجًا على الجماعة مُحاربًا للدعوة، وكذلك كل من اتصل به أو ناصره».
د. محمد حبيب
ومن أشهر القيادات الإخوانية التي انشقت عن الجماعة أيضًا الدكتور محمد حبيب، النائب الأسبق للمرشد العام، والذي وصفه أبو الفتوح بأنه العضو الوحيد الذى لم يقبل يد أى مرشد، وأنه «دينامو» الجماعة والذي استقال اعتراضًا على إعلان جماعة الإخوان المسلمين، عقب الثورة أنها لن تدفع بمرشح رئاسى، وهو القرار الذى لم يلتزم به أبو الفتوح الذى يرى «أنه يمارس حقه السياسى وفقًا للائحة تنظيم الإخوان المسلمين»، فأصدر الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة قرارًا بفصل أبو المفتوح، لخروجه عن قرار الجماعة رغم أن الجماعة نفسها خالفت قرارها بالدفع بخيرت الشاطر للرئاسة بعد ذلك ثم الدكتور محمد مرسي.
زادت حدة الخلافات بين حبيب والجماعة عقب ثورة 25 يناير، بعد استقالة كل من عصام العريان وسعد الكتاتنى ومحمد مرسى من عضوية مكتب الإرشاد لتأسيس حزب "الحرية والعدالة"، ويرى حبيب أنه وفقًا للائحة ومع خلو مناصب المستقيلين الثلاثة كان عليهم تصعيده إلى مكتب الإرشاد دون انتخاب، لحصوله على 40% من الأصوات فى انتخابات 2009، التى طالب فيها حبيب بلجنة تقصى حقائق لا تتبع مكتب الإرشاد أو منصب شورى الجماعة، للتحقيق فى نتائج الانتخابات التى جاءت بـ«بديع» فى منصب المرشد العام وهو الأمر الذي زاد من حدة التوتر بين حبيب والجماعة وانتهت بالإطاحة به.
أبو العلا ماضى
ومن أبرز القيادات المستقيلة من الجماعة المهندس أبو العلا ماضى، بعد أن تقدم بأوراق حزب الوسط للجنة الأحزاب السياسية بمجلس الشورى فى 6 يناير 1996 دون موافقة مكتب الإرشاد أو مجلس شورى الجماعة، فاجتمعت ماضي فى منزله بمجموعة من شباب الجماعة، متخذين قرارًا بإنشاء الحزب سواء قبلت الجماعة أو رفضت، وبعد أن تقدم «ماضى» بأوراق الحزب، حاولت الجماعة عن طريق توسيط شخصيات مثل الدكتور يوسف القرضاوى لكي يتراجع «ماضى» عن فكرة الحزب، وأن يقوم بسحب الأوراق، وهو ما قوبل منه بالرفض، وقام «أمن الدولة» باعتقاله واثنين من مؤسسى الحزب وهما عصام حشيش ومجدى فاروق، كما قاموا بالقبض على مهدى عاكف، ومصطفى الغنيمى، من غير المؤسسين، بتهمة التحايل على الشرعية وتأسيس حزب سياسى، وأحيلوا إلى المحاكمة العسكرية بعد تغيير التوصيف إلى "محاولة تكوين تنظيم غير مشروع لقلب نظام الحكم".
فى 1998 عاد أبو العلا ماضى لتقديم أوراق الحزب إلى محكمة الأحزاب، ثم قدموا الأوراق مرة أخرى بعد يومين من رفضهم فى مايو ١٩٩٨، إلى لجنة شؤون الأحزاب باسم «حزب الوسط المصرى»، وتم رفضهم وهو ما أعقبه رفض آخر من محكمة الأحزاب عام ١٩٩٩، وفى 2004، تقدم حزب الوسط مرة أخرى بأوراقه، لتظل 3 سنوات كاملة، لترفضه المحكمة بعد أن تغير قانون الأحزاب ليطلب ضم 1000 مؤسس بدلًا من 50 مؤسسًا، وبعد 15 عامًا من الصراع قضت دائرة شؤون الأحزاب بالسماح بإنشاء حزب الوسط فى 19 فبراير 2011.
إلا أن جماعة الإخوان المسلمين رفضت الانضمام لهذا الحزب باعتبار أن مؤسسه هو أحد المنشقين عن الجماعة فأسست حزب "الحرية والعدالة".