مقالة بقلم : د حمدي حسن نائب الشعب
سامح الله قناة الجزيرة التي جلبت إلينا المواجع وهي تنقل على الهواء مباشرة عملية إنقاذ عمال منجم سان خوسيه ال 33 بدولة تشيلي والذين مكثوا تحت الأرض 69 يوما كاملة
إنتابني شعور غامر بالفرح والسرور والشكر لله وأنا أتابع على الهواء مباشرة الكبسولة وهي تدخل المنجم وبها أحد المهندسين للمساعدة في إجلاء العمال و رأيتني أكاد أقفز من مقعدي وأنا أرى أول عامل يخرج بسلامة الله من الكبسولة إلى سطح الأرض , كان آذان الفجر يتردد صداه في الآفاق يوم 13 أكتوبر 2010 حين خرج حيث إستقبله أولا المختصين بفتح باب الكبسولة وفك احزمة الأمان ثم طفله ثم زوجته ثم رئيس الموقع والعاملين به ثم رئيس الدولة الرئيس / سيباستيان بينييرا ثم الفريق الطبي الذين نقلوه مباشرة إلى المستشفى الميداني الذي أعد خصيصا في المكان
اختفى العمال ال33 داخل منجمهم بعد أن أغلق عليهم نتيجة زلزال اتبعته انهيارات أرضية وظلوا منفصلين عن العالم 17 يوما كاملة دون أي أخبار عنهم حتى نجحت أجهزة الإنقاذ في العثور عليهم و التواصل معهم ووقتها عرف الجميع أن جميع العمال أحياء تحت الأرض
تم التجهيز لعملية الإنقاذ بدقة شديدة فالعمال على بعد 700 م تقريبا داخل بطن الارض ووصلت إليهم كبسولة الإنقاذ بعد 69 يوما وبلغت تكلفة الإنقاذ 20 مليون دولار تقريبا وتم إعداد العمال لوقت الإنقاذ نفسيا وجسديا فتحددت لهم نوعية الأطعمة وفرضت عليهم تمارين رياضية يمارسونها داخل المنجم المحجوزين فيه حتى لا يصابوا بالبدانه فلا يستطيعوا ركوب الكبسولة والخروج بها · دار حديث بيني وبين بعض المهتمين ماذا لو كان هؤلاء في مصر ؟ كيف سيتم التعامل معهم ؟
أحدهم قال : إن الرئيس بالطبع سيكون أول المستقبلين وقال آخر بل ستكون الأولوية للأبناء والزوجات فالرئيس قلبه كبير وسيراعي الناحية النفسية واتفق الإثنان أن الرئيس سيفعل هذا و ذاك ولكن من وراء حاجز زجاجي ضد الرصاص كما يفعل حين تجبره الظروف علي مخالطة شعبه !
ولما سئلت عن رأئي قلت : للأسف إن الرئيس لن يحضر من أصله و إذا تكرم بالإهتمام فسيصدر توجيهات ثم يمضي لشأنه وقد يكون هذا الشأن غير ذي بال أو أهمية , وأن هذا حدث بالفعل
فقد غرقت العبارة المصرية السلام 98 وبها 1400 مواطن فماذا حدث وكيف تصرف الرئيس ؟
وفقا لما أعلنه الوزير مفيد شهاب فقد أرسلت الدولة كاسحة لغام وفرقاطة حربية لإنقاذ الضحايا وأن أول وسيلة إنقاذ وصلت بعد حوالي 16 ساعة من الحادث وتم إنقاذ ما يقرب من 600 مواطن .
فيما بعد أوضحت التحقيقات أنه يوجد لدى مصر 11 قارب إنقاذ سريع ذاتي الإتزان يعمل في كافة الأجواء والظروف الجوية السيئة و يستطيع الوصول إلى مكان الحادث خلال ساعتين فقط , لم يستخدم منها واحد !! ولا واحد! وأن إشارات الإغاثة قد وصلت لمراكز الإنقاذ في وقتها ومع ذلك لم يتحرك أحد , ولم يحاسب أحد !
و حين تجمع ألوف من أهالي الضحايا بالميناء في ظروف جوية صعبة يتلمسون أي معلومة تطمئنهم على أهاليهم تم إرسال قوات الأمن المركزي لهم تضربهم بالعصي الكهربائية وبالقنابل المسيلة لللدموع وقهرهم وإذلالهم بدلا من العطف عليهم وامدادهم بما يساعدهم على الإقامة في الظروف الصعبة أو حتى مكتب للمعلومات يمدهم بالمعلومات أولا بأول بدلا من هذا التجهيل والتجاهل من جميع المسؤلين بل ظلوا يترددون بين سفاجا والغردقة ومشرحة زينهم بالقاهرة وكأن المسؤلين يتلذذون بتعذيبهم والتنكيل بهم دون مراعاة لأبسط قواعد المسئولية أو الإنسانية !
·حين قرر الرئيس القيام بواجبه حضر للميناء لمدة 15 دقيقة فقط أصدر خلالها بعض التوجيهات للمسؤلين ثم انطلق سريعا إلى استاد القاهرة ليمكث فيه خمس ساعات كاملة هو وأسرته لمشاهدة مباراة في كرة القدم مبتهجا يقوم ويقعد مشجعا وملوحا بالأعلام ومعه رئيس الوزراء والوزراء وبقية المسؤلين وهم الذين صدرت لهم التوجيهات دون أدني إكتراث بمشاعر 1400 أسرة مصرية أصابتهم الكارثة وهي كارثة للوطن بكل تأكيد !!
أصدر الرئيس توجيهاته لرئيس الوزراء الذي أصدر توجيهاته للوزير الذي أصدر توجيهاته للمحافظ الذي أصدر توجيهاته لمدير الأمن الذي أصدر أوامره لجنود الأمن المركزي بضرب مواطنينهم بالقنابل المسيلة للدموع والعصى الكهربائية كي يتسنى لهم جميعا الإستمتاع بمتابعة مباراة الكرة دون تعكير للصفو أوالمزاج !
1400 مواطن تركوا يواجهون أسماك القرش ويصارعون الغرق والأمواج والبرد والظلام والرعب,أسر كاملة ومئات المواطنين كان يمكن إنقاذهم لو كان هناك همة أو مروءة أو استشعار للمسئولية تجاه الله أو تجاه الشعب
وحين جاء وقت المساءلة تم تقسيمها إلى مساءلة جنائية أولا وسياسية ثانيا
في الشق الجنائي تم تسهيل هروب المتهم الأول وقام النائب العام بإحالة الموضوع إلى محكمة الجنح تماما كأي بائع خالف تسعيرة الطماطم – إن كان لها تسعيرة - وحكمت المحكمة بعد ذلك بالسجن عدة سنوات على المتسبب في غرق 1400 مواطن وهي عقوبة تصل إلى الحبس 48 ساعة عن كل شهيد تقريبا ! يا بلاش !
في الشق السياسي قام المجلس بتشكيل لجنة تقصي حقائق برئاسة النائب المحترم / حمدي الطحان كشفت عن جرائم بالخصوص ثم حاول المجلس التغطية بتحويل الموضوع إلى لجنة فرعية لتزوير التقرير برئاسة ابو العينين ثم أضطر المجلس إلى مناقشة التقرير بعد إنتهاء التحقيق الجنائي ووسط تصفيق غير مسبوق خاصة من نواب الوطني بالصعيد وهم نواب أكثر المناطق تضررا من الموضوع إنتقل المجلس إلى جدول الأعمال لينسدل الستار مؤقتا عن الصمت عن أكبر جريمة ضد الشعب المصري .
مع إنتهاء الكبسولة من إخراج آخر العمال بعد انقضاء 24 ساعة على بدء أعمال الإنقاذ ظل خلالها الرئيس التشيلي بالموقع مستقبلا كل العمال تذكرت صخرة الدويقة التي إنهارت على مئات المصريين و اختفت بعدها أسر كاملة لم نستطع حتى تحديد عددهم أو مكانهم
في الدويقة كانت التوقعات بإنهيار الصخور مؤكدة وقامت الدولة بقبول تبرعات دولة الإمارات العربية قيمتها 250 مليون ج لإتقاذ هؤلاء الضحايا المتوقعين قامت الدولة باستخدامها في بناء مدرسة للكلاب ! وبعض المساكن التي تم توزيع بعضها على المعارف والمحاسيب وبالرشاوي بينما اصحابها المحتاجون الحقيقيون لم يحصلوا على شيئ حتى دفنوا تحت الصخور المنهارة ولا حول ولا قوة إلا بالله
يجدر الإشارة أن نائب الدويقة المنكوبة هو نفسه وزير الإسكان والذي يقع على عاتقه حماية ابنائها من هذه الكارثة ! وبالتأكيد لن نراه يرشح نفسه لمجلس الشعب مرة أخرى في هوجة ترشيح الوزراء السارية حاليا وهو الذي كان يمشي كالطاووس وزيرا ونائبا متخايلا بنفسه وبحزبه ولجنة سياساته ! ويجدر الإشارة أيضا إلي أن الرئيس البوليفي ايفو موراليس أصر علي الحضور الى منجم سان خوسيه للترحيب بمواطنه كارلوس ماماني، احد العمال الذين انقذوا، معلنا ان بوليفيا لا تعرف كيف "تدفع دينها" لتشيلي للجهود التي بذلتها. وقال "باسم الحكومة البوليفية، لا اعرف كيف ادفع ديننا حيال هذه الجهود". بوليفيا تعتبر ما فعلته شيلي من أجل إنقاذ مواطن واحد لها دين في عنقها لا تعرف كيف سترده بينما عشرات أو كشات المصريين يقتلون بكافة انواع القتل يوميا في دول كثيرة ونشعر نحن الشعب أن حكومتنا تعتبر هذا دينا عليه يطوق عنقها لا تعرف كيف سترده بل إن عدونا الذي قتل مئات الأسرى غدرا ويتباهي بذلك ليل نهار جهارا نهارا اصبح احد كبار أصدقاء رؤسائنا ولا حول ولا قوة إلا بالله · مشهد الرئيس التشيلي وهو يجلس في الموقع مع شعبه و أهالي المنكوبين يغني وينشد ويصفق ويضحك يحضن الناجين ويقبلهم دون حراسة ودون حاجز زجاجي ودون أمن مركزي يستحق ان نقف أمامه نحن المحرومين طويلا. لقد فعلناها نحن المسلمين في أوج قوتنا ومجدنا فحين جاء قائد الفرس أسيرا وجد امير المؤمنين نائما آمنا تحت شجرة من دون حراسة .. فقال قولته الشهيرة : حكمت فعدلت فأمنت فنمت ياعمر ...