د. عايدة سيف الدولة تكتب: رسالة مفتوحة إلى عصام العريان
سريعاً ما تحول شعوري من إحساس بالغضب إلى إحساس بالشفقة عليك وقد سبق
لسانك عقلك وأنت تذم في اليسار فتصفهم بالممولين من الخارج ثم تصفهم
بالتشرذم والانفصال عن ثقافة المصريين الخ .. ثم عدت لتبرر وتلعب دور
الناصح الأمين وتغازل بعض رموزه مثل كمال خليل ووائل خليل في تصور ساذج أنك
تستطيع أن ترشو البعض بانتقائهم مما يؤكد أنك لا تعلم عن اليسار الحقيقي
شيئاً سوى خوفك منه الآن وقد تسلمتم السلطة وأصبحتم مطالبين بالوفاء
بعهودكم وقيادة البلاد نحو تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم
والكرامة الإنسانية.
ألا تخجلون من أنفسكم وكنتم بالأمس القريب
تسعون دون هوادة نحو دعم اليسار لكم حين كنتم وآخرين من فقراء هذا الشعب
وكادحيه تعانون المعتقلات والسجون والتعذيب في ظل حكم مبارك، ذلك أنكم لم
تكونوا الوحيدين الذين ذاقوا العذاب في تلك المعتقلات كما تروجون فغالبية
القابعين في السجون وغالبية ضحايا التعذيب لم يكونوا منكم بل من غير
الواصلين وغير المسيسين من المهمشين والفقراء الذين ذاقوا التعذيب والموت
تحت التعذيب لمجرد رفضهم إهانة ضابط، لكنكم لا تسمعوا بهم ولا تهتموا حتى
وان سمعتم ما داموا ليسوا من "الجماعة".
لن أحدثك طويلا عن دور
محاميي اليسار في الدفاع عن كافة المعتقلين من جميع الاتجاهات دون انحياز
سوى للحرية ولحقوق الإنسان. ألا تخجل وهناك المئات من الأطباء من شاهدوك
وأنت تدير الجمعيات العمومية لنقابة الأطباء بجبروت وتحكم جعل الكثيرون
يشبهونك بفتحي سرور رئيس برلمان المخلوع... ألا تخجل وقد كان اليسار من وقف
في الاحتجاجات والمظاهرات يهتف لك بالحرية حين كنت معتقلا؟.. تتحدث عن
التشرذم وكان لكم أربع مرشحين للرئاسة كل واحد منهم يدعي أنه يمثل الإسلام
الصحيح، الإسلام السمح، الشريعة الحقة؟
إذا أردت ان تصفي حساباتك
مع رفعت السعيد فلتفعل ذلك معه مباشرة وبينك وبينه فعلاقته باليسار لا
تختلف عن علاقتك بالديمقراطية واحترام الآخر.
وأي ثقافة تلك التي
تتحدث عنها التي تتهم اليسار بالاغتراب عنها؟ هل تعلم كيف يعيش الناس بعيدا
عن الجوامع والندوات ودروس التجنيد لصفوف حزبكم؟ هل لديك أي فكرة كيف تعيش
النساء لتتحايل على الفقر والقمع وشبح التطليق والحرمان من الأطفال؟ هل
لديك أدنى تصور عن مخاوف الشباب والشابات وكيف يتحايلون عليها للحفاظ على
درجة ما من التوازن النفسي وأنتم لا تسلطون عليهم ذوى هذا حرام وذاك مكروه.
هل عشت يوما بين أولاد وبنات الشوارع الذين لن تزيدهم سياسات حزبك
الاقتصادية والاجتماعية سوى فقرا وتشريدا؟ هل اضطررت يوماً إلى السير على
كوبري من الطوب الأحمر لتصل إلى سريرك، ولا أقول إلى بيتك، دون أن تغوص في
مياه المجاري؟
وأي شريعة تلك التي تتحدث عنها وتدعي أنها اختيار
الشعب المصري؟ لم يكن المصريون المسلمون بحاجة إليك ليعرفوا ما هو
الإسلام.. فقد عاشوه ومارسوه ولازالوا بعيدون عن فتاوى المملكة السعودية
الدخيلة التي دخلت إلينا مع دولارات البترول.. ومن أنت ومن هو حزبك لينصب
نفسه المفسر الشرعي والوحيد للدين الإسلامي وأنتم تعيشون في بذخ وتتصدقون
على الفقراء بحقوقهم وتفعلون غير ما تقولون ليل نهار.. وتكيفون الفرائض على
هواكم وتقولون الشيء ثم تتراجعون عنه وتوزعون بطاقات التقوى على هواكم؟
أما عن التمويل فدعنا لا نخوض فيه؟ ألم تقرأ أبدا عن مواقف الأحزاب
والمنظمات اليسارية الثورية من التمويل؟ أم ان قراءتك انتقائية مثل أحكامك؟
وحيث أنني أشرف بالعمل في مركز حقوقي يتلقى دعما خارجيا، هو مركز النديم،
فهل لديك الاستعداد والشفافية الكافية لنقارن بين مصادر تمويلنا وتمويلكم
وأوجه إنفاقنا وإنفاقكم، أم أنه التوحد مع أجهزة القمع التي عانيت منها
يجعلك تستخدم نفس أدوات الجلاد حين تمكنت منها؟
أم أن الأمر لا
علاقة له لا بالثقافة ولا بالشريعة ولا بالأخلاق وإنما بضرورة تصفية اليسار
وتشويه صورته بما أنه الطرف الوحيد المهموم بما تشهده البلاد من بوادر
ثورة اجتماعية واحتجاجات اجتماعية، عمالية وفلاحية وطلابية ومهنية فيما
تطلقون عليه، أسوة بالنظام السابق، المطالب الفئوية؟
هل تستعدون
بالاتهامات لتوجهوا ضربة لليسار واهمين بأن ذلك قد يوقف الاحتجاجات
والإضرابات والاعتصامات والتظاهرات المطالبة بما هو حق للكادحين والفقراء
الذين ظلوا يدفعون ثمن الحرية من دمائهم في حين كنتك تهرولون إلى موائد
المفاوضات؟ هل أعماكم وهج السلطة عن رؤية الفقر والعشوائيات والمرض والعوز
فأصبح التخلص من البشر أسهل من التخلص من جشع المال.
وقفنا معا في
وجه مبارك، وقفنا معا في الجولة الأولى من الثورة التي أزاحته وجاءت بكم..
لكنها قادمة لا محالة.. حتمية تلوح في الأفق.. حلمنا وكابوسكم.. ثورة
اجتماعية شعبية يقودها العمال والفلاحين والطلاب.. رجال ونساء سوف ينتزعون
حقوقهم انتزاعا ممن يريد أن يتصدق بفتاتها عليهم.. وأمامك انت وحزبك ورئيسك
وبرلمانك أن تختار إما أن تكون بين صفوفها أو بين صفوف من سوف تزيحهم في
طريقها لتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية وإعادة توزيع
الثروة والقصاص ممن قتلوا زهر شبابها ومن تواطئوا على قتلهم بالصمت.
الخيار لك يا دكتور عصام، وقد أعذر من أنذر.