رسالة من الرئيس مرسي إلى المصريين
محمد عبد المجيد
أيها الاخوة المواطنون
أقدم لكم اعتذاري الشديد عما سببتـُّـه لأهل بلدي في الفترة الوجيزة التي حكمتُ خلالها هذا البلدَ الطيب.
كنت أظن الأمر سهلا، وأنني الحاكم الآمر والناهي، وأن أجهزة الدولة ستطيعني، إلى أن أكتشفت أن المشير هو الذي يحكم، وأن المرشد العام للإخوان المسلمين هو الأب الروحي لي، تماما كما خامنئي للرئيس محمود أحمدي نجاد.
إنني مقيد اليدين، مكمم الفم، ليس لي حيلة حتى لو أردت أن أفرج عن أبنائكم المنسيين في أقبية معتقلات العسكر فلن تسمح الأجهزة العسكرية والأمنية.
لقد شغلوني بالدور الروحي لي، وصلاة التراويح، وإقامة صلاة الجماعة لضيوفي في القصر، أما شؤون الدولة فهي من اختصاص الجنرالات.
لقد رأيتم بأنفسكم بأنني لو خرجت عن الخط الذي تم رسمه لي فسيكون مصيري حَرَجاً شديدا في اعتذار علني للمجلس العسكري أو المحكمة الدستورية أو القضاء أو النائب العام.
هل أستطيع، مثلا، الطلب بإعادة محاكمة أوغاد السرقة والنهب وجحيم الثلاثين عاماً التي سجنكم فيها مبارك؟ قطعا لا، فابنه تم الحكم عليه بالبراءة، فخرست ألسنتكم كما صمت لساني وقطع العسكر ألسنة كل قيادات الإخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم.
مشكلتي الكبرى تبدأ من أتباع ومؤيدي الإخوان المسلمين الذين يعذبونني بالطلب من المعارضين أن يمنحونني فرصة تلو الأخرى، والحقيقة أنني أريد أن أعود إلى بيتي وأسرتي ودفء عائلتي، فاللعبة اكبر مني، وكلنا في مسرح العرائس مربوطون بخيوط رفيعة لا يراها المشاهدون.
صدَّقوني فأنا إنسان طيب، لا افهم في السياسة، ولا أعرف ألاعيب الكبار، وقد تم توريطي بعدما رفض القضاء ترشيح خيرت الشاطر، وليست لي أحلام أو آمال، وحتى مشروع نظافة البلد تلعثمت فيه وظننت أن الشعب هو الذي يقوم بالمهمة بدون أدوات أو سيارات أو مساحات للتخلص من القمامة أو تدويرها.
قال لي المرشد بأن الدكتور هشام قنديل يستيقظ في الصباح الباكر، ويوقظ بواب العمارة لأداء صلاة الفجر، وهذا يعني أنه يصلح ليصبح رئيساً للوزراء خاصة أن لحيته مهذبة، وليست لديه أي طموحات أو أحلام كبرى.
أيها الإخوة المواطنون،
أرجوكم أن تطلبوا من الذين يحبونني، ويظنون أن كل إخوانجي هو عبقري، التوقف نهائيا عن تبرير صمتي، وعجزي، وانجازاتي الصفرية.
إن كواليس السياسة في مصر تحتوي كمية هائلة من القذارة والعفن والاتصالات المشبوهة والسرقات والنهب والصفقات، فلا تتعجبوا من التصالح مع جمال مبارك، ولا تندهشوا إذا عاد، ولا تطرحوا سؤالا واحداً إذا وافق الإخوان المسلمون على ابن المخلوع رئيساً للبلاد فقد وافقوا من قبل، واعترضوا على ثورتكم، ثم سرقوها مع العسكر والفلول.
أريد أن أعود إلى بيتي، وحياتي الهادئة، لكنني لا استطيع لأنكم تدعمون عجزي بتبرير ( امنحوه فرصة حتى يحقق أحلامه!)، فحلمي الوحيد هو الخروج من المصيدة، والعودة إلى عملي، والبيت، وصلاة التراويح، وأن لا يعرفني أحد.
ايها الإخوة المواطنون،
أخرجوني من القصر الظالم أسياده، ولو رأيتم ما شاهدته بأم عيني في الأسابيع القليلة الماضية لخرجتم بالملايين في ثورة جديدة لا تبقي ولاتذر واحداً من النظام المخلوع أو من فلول البغي والنهب، أو من الجنرالات .. سارقي ثورتكم.
لقد ضاعت أموالكم، واختفى أبناؤكم، وقاموا بقنص عيون فلذات أكبادكم، وهتكوا أعراض بناتكم، وبرَّأوا المجرم الحقيقي الذي حكم بروح أبيه لعدة سنوات، وتصالحوا مع سارقيكم بمبالغ زهيدة، وأعطوا نصف مصر إلى الإخوان المسلمين الذين أنا منهم ولا أستطيع أن أتبرأ، علناً، من جرائمهم، واحتفظوا بالقوة والسلاح والقضاء والأمن والخزانة.
إنني خيال المآتة، لكن صدقوني فإن طيبتي لا حدّ لها، والكبار يقذفونني بأقدامهم، أما الحمقى فيمنحونني الفرص العديدة ليزداد عذابي في ضعفي، وآلامي في عجزي، وحيرتي في قدراتي الهشة.
قالوا لي بأنها مهنة من لا عمل له، وأن مبارك كان بليد الإحساس ومحدود الذكاء فحكم مصر ثلاثين عاماً، وأنني لا أحتاج لأكثر من إنشاء ديوان المظالم ، والانصات جيداً للمرشد العام، والثقة بأن أموال خيرت الشاطر تحت أمري، وأن المشير يعرف مسبقاً المساحة الصغيرة التي سأتحرك فيها.
أيها الإخوة المواطنون،
تجديد ثورة 25 يناير يبدأ إذا شاهدتم الكبار وهم يلعبون بكم، واستمعتم إلى شطر صغير من أحاديث الإخوان المسلمين مع الجنرالات، وأنصّتم إلى مكالمة هاتفية من جمال مبارك وهو يشكر المشير ووزير العدل على حُكم البراءة.
أحيانا ينتابني الشك في أنكم أكثر مني سذاجة، وطيبة، وحُسن نية، وأنكم مشلولون في نفس المصيدة التي نصبوها لي.
لن تستطيعوا أن تقوموا بثورة لأن جماعتي .. الإخوان المسلمين، ومعهم الجماعة السلفية وكل المهووسين بالخلافة الإسلامية سيتحولون إلى فلول وشفيقيين ليمنعوا استردادكم لثورتكم.
أعتذر بشدة عن إمكانياتي المتواضعة، فلا تبحثوا عن تبريرات جديدة لعدم قدرتي على الوفاء بالمئة يوم، فأنا لست الحاكم الحقيقي لمصر الطيبة!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 30 يوليو 2012