الحل السحري لجميع مشاكل مصر

الحل السحري لجميع مشاكل مصر

كان المريض فى غرفة العناية المركزة وقد شحب وجهه وظهرت عليه آثار الإعياء الشديد. بدأ المريض فى الصراخ من الألم فإذا بالأطباء يهرعون إلى سريره ونظر كبير الأطباء إلى مساعده قائلا :"إيه رأيك..نعمل إيه دلوقت؟!!!" فيرد عليه مساعده قائلا:"صراخه العالي مشكلة كبيرة...أنا رأيي نركب له قناع أوكسجين"...نظر إليه كبير الأطباء قائلا:"هو محتاج أوكسجين"...فأجابه المساعد:"لأ.. ولكن القناع هيكتم الصوت ومش هنسمع صراخه".."فكرة عبقرية" قالها كبير الأطباء وهو يشير إلى التمرجي مفتول العضلات الذي بدأ عملية شل حركة ومقاومة المريض تمهيداً لوضع قناع الأوكسجين على وجه المريض ليختفي صوت الصراخ.
مرت شهور ولا أحد يسمع صوت المريض بعد أن كتم القناع صوت صرخاته..يأتي أقارب المريض ليزوروه فيؤكد لهم الأطباء أنه فى حال جيدة ولا يصدر عنه أي صوت وأن الأطباء يقدمون له العلاج المناسب و"المريض مرتاح على الأوكسيجين"...لم يفكر الأطباء أن الصراخ كان عرضاً لمرض لم يتم علاجه وأن المسكنات الظاهرية للأعراض دون النظر إلى أساس المرض تأتي بنتائج عكسية خطيرة وهو ما حدث بالفعل فما هي إلا أيام وقد توقف قلب المريض عن النبض؛ فإذا بالجهاز الذي يراقب قلب المريض يصدر صفيراً مزعجاً فى كل سماعات المستشفى معلنا حالة الطوارئ لتنبيه الأطباء.
يعود طاقم الأطباء مرة أخرى وهم يسدون آذانهم من صوت الجهاز المزعج فينظر كبير الأطباء إلى مساعده قائلا:"إيه رأيك...نعمل ايه دلوقت؟!!!"..فيجيبه المساعد:"صوت الجهاز المزعج ده مشكلة كبيرة...أنا رأيي نغني"...نظر إليه كبير الأطباء قائلا:"هو الغنا هيشغل قلب المريض اللى وقف"...فأجابه المساعد :"لأ.. ولكن هيغطي على صوت الجهاز المزعج وكمان هيلخم كل عمال المستشفى وأهل المريض عن مشكلة المريض.. ما احنا برضه لازم نعمل اللى علينا..إمال يعنى هنسيب صوت الجهاز المزعج يفكرنا كل ثانية إن المريض قلبه وقف وبيموت"..."فكرة عبقرية" قالها كبير الأطباء وهو يشير إالى التمرجي صاحب الملامح الرومانسية والذي يحمل فى يده ميكروفون والذي يبدأ فى الغناء فيردد معه كل طاقم المستشفى أغنية وطنية حماسية حتى غطى غنائهم على صوت جهاز إنذار توقف القلب.
"يحيا الهلال مع الصليب"...هيا نغني..فصوت غنائنا سيغطي على كل مشاكلنا وسيخرج طاقة الكبت داخلنا...سنخرج فى الشوارع فى مظاهرات عارمة نغني للوحدة الوطنية وسيعود كل منا منهكا لبيته بعد وصلة الهتاف والغناء، فلقد تعلمنا على مر العصور أن الغناء هو الحل السحري لكل مشاكلنا وأزماتنا، وغنائنا كفيل بأن يحل مشكلة كل قبطي وكل مسلم فى مصر.
وفى الوقت الذي ترتاح فيه حناجرنا من الغناء استعداداً لوصلة غناء أخرى يمكننا أن نجلس أمام شاشات التليفزيون لنرى رد فعل نجوم السينما والتليفزيون على المشكلة وكيف أن كل فنان مسلم منهم كان له صديق مسيحي يحبه وكل فنان مسيحي منهم كان له صديق مسلم اعتاد أن يلعب معه (بنك الحظ) فى طفولتهم.
"من فعلها؟" نسأل بعضنا البعض وكأن كل منا قد تحول (بقدرة قادر) لخبير أمني...ونجيب بعضنا البعض بنفس الإجابة المعتادة: "طبعا أمريكا واسرائيل وأعداء الإسلام، آه وبرضه أعداء المسيحية... ويمكن الماسونية العالمية"..."بعني إيه الماسونية العالمية"...."معرفش بس إظاهر كده إنهم زي الشيوعيين بتوع إيران"...
كالعادة...بعد كل كارثة يتحول الوطن إلى سيرك إعلامي تقدم فيه الحلول العبقرية من عقول لا ترى أبعد من أطراف أصابعها...حلول على شاكلة "المسلمين يعملوا دروع بشرية حول الكنائس" وكأن مصر تستعد لغزو التتار ونحتاج إلى دروع بشرية...وعلى شاكلة "العوا وبشوي يحضنوا بعض" وكأن الإرهابي سيتأثر قلبه بمظهر (الحضن) الوطني وسيحول قنابله لألعاب نارية تكون خلفية لإحتفالية تنتهى بها كل مشاكل أقباط ومسلمي مصر!
مصر أصبحت مثل الإسطوانة المشروخة التى تعيد نفسها بلا توقف مع كل كارثة تحل بالوطن ولا أحد يريد أن يعالج المرض المسبب لكل هذه الكوارث التى نراها كل يوم.
تفجيرات الكنيسة الإجرامية ليست إلا عرضاً لمرض تشعب فى جسد الشعب المصري وهى على بشاعتها وفظاعتها لا تعدوا كونها علامة صغيرة على مرض خبيث ينخر فى بنيان شعب مصر ولكن أحداً لا يريد أن يواجه الحقيقة ويبدأ فى التعامل مع أساس الداء...كعادتنا سوف نتعامل مع الأعراض ونتجاهل أصل المرض وندفن رؤوسنا فى رمال المشاعر والعواطف الوقتية.
علمتنا كلية الطب أن آخر ما يجب أن يلتفت إليه الطبيب هو الأعراض البسيطة الظاهرة على السطح والتركيز على أساس المرض لأنه بعلاج المرض ستشفى كل الأعراض تلقائياً...ولكننا فى مصر نؤمن أن لكل مشكلة فى الدنيا حلاً وحيداً وهو: الغناء والأحضان.
وبعد قراءتك لهذا المقال أتمنى أن تكون حنجرتك قد استعادت عافيتها لوصلة أخري لحل مشاكل إخوانك الأقباط...فلقد أكد جميع خبراء التليفزيون أن إخوانك الأقباط ستحل كل مشكلاتهم عندما يسمعونك تغني: "يحيا الهلال مع الصليب"
صحيفة المرصد





د/أحمد غانم