كنت سعيدا حقا بذلك المصيف الهادئ الذي أقضي فيه الإجازة لأول مرة ، ففي النهار أقرأ وأسبح وسط هدوء شامل ولم يكن ما يزعجني عند المساء إلا تلفزيون الجيران الذين يقيمون في الشاليه المجاور ، لكن الحق يمبغي أن يقال فهؤلاء الجيران الذين لم أرهم ابدا كانوا يساعدونني على قتل ساعات الملل ، اذ كنت أجلس لأشاهد التلفزيون من عندهم من خلال فتحة مثقوبة في جدار الشاليه تسمح لي بالرؤية بوضوح ، وكنت شغوفا حقا بتلك التمثيلية المسلسة التي تذاع ابتداء من الساعة الثامنة ، فهي بلاشك مكتوية ومنفذة بتكنيك جديد يخرج من كل القوالب الدرامية ، إذ ما ان اضع عيني على الفتحة المثقوبة في الجدار حتى أجد البطل والبطلة مع بداية التمثيلية في حالة غرام شديد . عناق وقبلات وهمس ونجوى . ثم لا يلبث الخلاف أن يدب بينهما بسبب غيرتها الشديدة . حتى كان اليوم الرابع الذي جلست أنظر فيه من فتحة الجدار إلى تلفزيون الجيران .
كانت البطلة يومها ترتدي غلالة سوداء أنيقة وقد استلقت برأسها على صدر البطل الذي راح يمسح رأسها ويهمس إليها بأحلى الكلام . وخفت صوت البطل والبطلة فكدت أصيح في الجيران أن يرفعوا الصوت . وما لبث الصوت أن ارتفع من تلقاء نفسه اذ قام البطل فجأة يصيح :
* أنا هقتلك . أنا هشرب من دمك !
وتناول مسدسا فعلا . ورقعت هي بالصوت الحياني وانطلقت جارية . وفركت عيني مذهولا وأنا أرى البطلة تقتحم الشاليه عندي مستغيثة . ولأول مرة في حياتي بدأت أدرك أن نظري قد ضعف وأن ما كنت أتفرج عليه يوميا هم الجيران أنفسهم الذي لم يكن عندهم تلفزيون أصلا !! . أحمد رجب .