مسي رئيسا لمصر
«مسي» هذا هو اسم لاعب برشلونة الإسباني الأشهر.. هو مفتاح الفهم لرئيس مصر القادم، أو هو اختصار حالة الإعادة في الانتخابات المصرية المزمع عقدها بعد يومين، إما أن تضيف حرف الواو إلى مسي فيصبح موسى أو تضيف إليه حرف الراء فيصبح مرسي، عمرو موسى عن الدولة المدنية أو محمد مرسي مرشح الإخوان عن الدولة الدينية، وأي منهما له تبعات على شكل الدولة القادمة في مصر من حيث الاستقرار ومن حيث دور القوات المسلحة في النظام المصري وعلاقة مصر بالجوار العربي والإقليمي وعلاقتها بالعالم أيضا.
عندما أقول: مسي رئيسا لمصر، أو: في مسي تنحصر الإعادة، فذلك يعني أمرين: الأول أنه من غير الوارد إحصائيا أن يفوز أي مرشح من الجولة الأولى وأننا أمام حالة إعادة بين عمرو موسى وأي من أبو الفتوح أو مرسي، وغالبا بين موسى ومرسي، أما الأمر الثاني وهو الأهم فإن موضوع إعادة مسي أو موسى والتيار الديني ممثلا في مرسي أو أبو الفتوح، فإن هذا يعني أن المشهد السياسي في مصر «مش سايب»، فهناك لاعب أساسي يلعب خلف الستار ويحرك الأمور وهو القوات المسلحة متمثلة في مجلسها العسكري، ذلك المجلس الذي نقول أحيانا إنه أساء إدارة المرحلة الانتقالية، إلا أنه صنع الأحزاب في انتخابات مجلس الشعب ونجح أعضاء له في البرلمان، وكان لاعبا أساسيا في تشكيل حتى من يظهر على الفضائيات المصرية وبشكل كبير، إذ كان المجلس وحتى لحظة كتابة هذا المقال ما يسمى في الإدارة بـ«المياكرة مانجر».
حتى المناظرة الرئاسية بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح لم تكن عفوية كما يتصور البعض ولكنها كانت ممسرحة بين رجال الأعمال والمجلس العسكري في إطار الخطة أو خارطة الطريق التي كتبت عنها هنا أكثر من مرة والتي رسمها عمر سليمان مع الإخوان في الفترة من 5 فبراير (شباط) 2011 إلى 8 فبراير من ذات العام أي قبل تنحي مبارك بأيام، وحتى هذه اللحظة ورغم الإضرابات المختلفة لم تحد مصر بعيدا عن تلك الخطة، وما حدث في محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو وغيرها من أحداث لم يكن إلا في إطار هامش الخطأ لهذه الخارطة التي رسمها جهاز المخابرات العامة بقيادة عمر سليمان، والتي كانت أشبه بتلك التي كان يكتبها الجهاز لإرساء المصالحة بين فتح وحماس في السياق الفلسطيني.
وربما يتساءل القارئ: كيف لي أن أقول إن مسي رئيسا لمصر وفي ذات النفس أقول إن رجال الأعمال كأداة للمجلس العسكري حددوا الإعادة بين أبو الفتوح وموسى من خلال المناظرة الشهيرة بينهما. لا تناقض هنا لأن أبو الفتوح هو مرسي، ولأن خروج أبو الفتوح من الإخوان كان بعد الثورة وكان خروجا إجرائيا أي أنه اختلف مع المرشد في مسألة الترشح للرئاسة، ولكنه لم يخرج لا على فكر الإخوان ولا عن بيعته للمرشد التي قال عنها أبو الفتوح إنها كانت على المصحف دونما المسدس الذي يكون موجودا في البيعة التقليدية. أبو الفتوح هو مرسي بوجهه المنفتح والأكثر دبلوماسية. إذن الإعادة بين موسى والتيار الديني ممثلا في أبو الفتوح ومرسي ورغم شعبية أبو الفتوح فإن مرسي هو رمز الإخوان الآن.
كتبت في السابق عن صفقة المجلس العسكري مع الإخوان، رغم أن العسكري ينفي ذلك ويقول إنه لم تكن هناك صفقة، ولكن الإخوان، حسب قولهم «ركبوا القطار قبل الآخرين»، إلا أنني لا أستطيع أن أراها إلا في إطار الصفقة والتي سميتها في مقال سابق بالرئاسة مقابل البرلمان. أي أن البرلمان للتيار الديني والرئاسة يحددها المجلس العسكري، فإما أن يكون الرئيس اسما وهنا يكون موسى هو الأقرب، أو أن المجلس العسكري يقبل برئيس من الجماعة ولكنه محدود الصلاحيات بما يبقي القوات المسلحة كمشرف على المرحلة الانتقالية لمدة أربع سنوات قادمة على الأقل. وقد يأتي الإعلان الدستوري التكميلي فيه تحسب شديد لأن ينقض الإخوان العهد فيأتي الرئيس والبرلمان من ذات التيار الديني.
وبغض النظر عمن سيكون رئيس مصر بعد الانتخابات فإن الذي لا شك فيه أن مصر ما بعد الثورة ستعاني فيها مؤسسة الرئاسة نقصا كبيرا في الشرعية والقبول بنفس الدرجة التي يعاني فيها البرلمان ومجلس الشورى من نقص في الشرعية الآن، مما يجعل النواب أكثر بحثا عن مواقعهم في الميدان والفضائيات أكثر من اهتمامهم بالبرلمان نفسه.
وفي ظل تآكل الشرعية هذا أو العجز في ميزانية الشرعية، ستبقى مصر في حالة اضطراب مجتمعي لسنوات غير قليلة قادمة. فالرئيس القادم سيعاني من مشاكل اضطراب كبرى قبل مرور عام على توليه الرئاسة، هذا إضافة إلى المشاكل الدولية والإقليمية التي ستنتج عن خطاب غير محسوب يتبنى الشعارات والكلام الفشنك من أجل إيجاد شرعية داخلية فشل الجميع في إيجادها، فليست هناك حتى هذه اللحظة حالة تراض بين الحاكم والمحكوم في مصر.
إذا جاءت النتيجة بأن أضفنا حرف الواو إلى مسي بعد الإعادة ليصبح موسى رئيسا لمصر، فربما يكون موسى رئيسا يتعامل مع الشق الدبلوماسي لقضايا الأمن والاستقرار وتبقى قبضة القوات المسلحة والمخابرات العامة كبيرة في إدارة الجانب الأمني على مستوياته الداخلية والإقليمية.
أما إذا أضفنا حرف الراء ليصبح مرسي هو الرئيس فنحن أمام حالة تكويش على السلطة قد تؤدي إلى انقلاب عسكري وشيك، فحتى لو تسامح الجيش مع شعارات الإخوان في مجلس الشعب وفي الرئاسة، فإنه لن يستطيع التعايش مع الضغوط الخارجية الناتجة عنها، سواء على مستوى التوجه الاستراتيجي للجيش المصري ومنافسته للجيوش المعادية في الإقليم، أو التي سيصورها الإخوان على أنها معادية، وسيجد الجيش نفسه في ورطة أمام سياق يحرمه من تحديث أسلحته وتغيير شراكاته الدولية، وبهذا تكون تبعات إضافة حرف الراء إلى مسي أكثر خطورة على مصر من إضافة حرف الواو.
بعد الرئاسة كما يقول المثل العامي في مصر تخرج مصر من حفرة لتدخل في دحديرة. فاربطوا الأحزمة.
مأمون فندي