وضعت النعاج مواليدها من الخراف ، القطيع كما هو دأبة دائماً يرعى على السفح .
فوق التل كلب حراسة ضخم، نظر الكلب في الاتجاهات الاربعة ليرى ما إذا كان ثمة خطر يتهدد القطيع الذي يحرسه .
أسند الكلب الضخم رأسه إلى قائمتيه الأماميتين ، كان يستعرض القطيع الذي كان يرعى من أعلى التل وكلما سمع صوتاً تنتصب أذناه ، ليعرف ما إذا كان ثمة خطر.
من جوار التل الذي كان يرعى الغنم عليه تمر سكة القطار. وعندما يخرج القطار من النفق فإنه يمر من تلك النقطة المحاذية للتل.
ابتعدت بعض الخراف باتجاه سكة القطار أثناء لعبها، فقفز كلب الحراسة – فهو في حالة ترقب دائم – من المكان الذي كان متمددا فيه بسرعة ، ودفع الخراف معيداً إياها إلى القطيع.
وفجأة سمع صوتاً ، إنه صوت القطار فقفز كلب الحراسة من مكانه واتجه كالسهم صوب الجهة التي كان يأتي منها الصوت ، كان القطار قد خرج للتو من النفق ، لم يفكر كلب الحراسة في كون القطار اكبر واقوى منه ، ليكن ما يكون فهو سيرتمي فوقه ليحمي اغنامه .
لو كان كلب الحراسة استطاع الركض بسرعة، أكبر لاصطدم بالقطار وجهاً لوجه ، لكن عندما وصل إلى السكة الحديد كانت آخر مقطورة من القطار وآخر عجلة من عجلاته تبتعدان عنه .
لم يكن للقطار مع ذلك علم بقطيع الغنم ولا بكلب الحراسة الذي يحرسه ، كان سائراً على السكة التي مدت له منذ زمن بعيد لا يستطيع الخروج عنها قيد أنملة ،
انتصبت أذنا كلب الحراسة الضخم وارتفع ذيلة في الهواء واخذ ينبح:
هاو هاو هاو .. اذا كنت تثق بنفسك فلا تهرب
لا تهرب ايها القطار الجبان ، هاو هاو
اخذت المسافة بين القطار والكلب تتسع مع استمرار المطاردة ، وبسبب الركض والنباح صار الكلب يسحب نفسه سحباً وصوته يعلو وينخفض
ابتعد القطار أكثر واكثر ، ومع مرور الوقت بدأ يتضاءل حجمه ،
وكلما تضاءل حجمه انتشى كلب الحراسة
كيف جعلت القطار اصغر حجماً ، هاو هاو هاو .. إنه يتضاءل خوفاً مني هاو هاو
لقد اصبح كلب الحراسة كطير طائر ، والقطار لم يكن يشعر به ولا يسمع نباحة أو يراه ، كان يتقدم في طريقه إلى المحطة ، وكان كلب الحراسة وراءة والمسافة بينهما تكبر ..
ثم اصبح القطار يصغر ويصغر من البعد حتى اصبح بحجم الاصبع ثم كنقطة في الفضاء.
عندما لم يعد يرى القطار توقف كلب الحراسة . لم تبق عنده قوة تساعده على أن يتقدم خطوة . راح ينبح قائلاً :
لقد ازلته من الوجود نهائياً . ازلت قطاراً عملاقاً .. من خوفة .. هاو هاو هاو
ارتخت أذنا الكلب وعاد راجعاً يمشي ببطء ويحرك قوائمه بصعوبة . لكنه بقى يفخر بنفسه على نحو مستمر :
كيف جعلت القطار العملاق يهرب . هاو هاو هاو .. حميت قطيعي منه ، لقد تبخر القطار من خوفه مني ، لم يبقى منه حتى دخان .
أضحى الكلب مسروراً لأنه حمى قطيعه من خطر القطار .
تسلق التل بصعوبة ولم يعد يمتلك القدرة على النباح .
لكن ما هذا ؟ لم يبق على التل غنمة أو خروف . كانت العظام وبقع الدم وقطع الصوف متناثرة في كل مكان .
عرف كلب الحراسة أن قطيع ذئاب قد هاجم الأغنام وأكلها .
كانت جثث الأغنام مرمية هنا وهناك.
صعد كلب الحراسة إلى أعلى نقطة من التل . نظر إلى الجهة التي مضى فيها القطار .
ثم قال مثنياً على نفسه .
لقد تصديت للخطر الأكبر وأزلت قطاراً ضخماً ... خاف مني .. هاو هاو
وتمدد على الأرض منهكاً وراح يستعرض جثث الأغنام بسرور..