يا شباب مصر .. لا تصدقوهم!
بقلم: محمد عبد المجيد
أحيانا تسقط التواريخ، أو تتوارى خلف أحداثٍ جِسام فيشير المرء للحدث حتى لو لم يعرف تاريخَه!
فأنت تقول: قبل الحرب العالمية الثانية، أو بعد الثورة الفرنسية، أو عندما وصل كريستوفر كولمبس للعالم الجديد، أو قبل الثورة البلشفية، وسيأتي اليوم الذي يؤرخ فيه من يصف حدثا مصرياً بأنه قبل أو بعد ثورة 25 يناير الشبابية.
بعد عدة أشهر ستضيف شركات السفر في الدليل السياحي أثراً جديدا من معالم مصر ، فيطلب الفوج السياحي زيارة الأهرام، ووادي الملوك، والمتحف المصري، وميدان التحرير الذي سيطلق عليه ميدان 25 يناير حتى لو لم يعترف به زاهي حواس فهو وزير في حكومة قام بتعيينها طاغية أفقده شبابُ التحرير شرعيتـَه!
لأول مرة في ثلاثين عاما يسير المصري في كل مكان في العالم مرفوع الرأس، فهو ليس سليلَ الفراعنة، وليس بطل أفريقيا في كرة القدم، وليس صاحب مسلسلات رمضان التلفزيونية، لكنه شقيق لشاب ينام تحت دبابة في ميدان التحرير، وابن خالة فتاة تتحدى بقوة إرادة فولاذية أعتى طواغيت العصر.
يريدون سرقتكم في وضح النهار، ويجلسون باعتزاز زائف وفخرٍ هَشٍّ عن يمين وعن يسار نائب رئيسٍ لم يَعُدْ رئيساً إلا في مُخَيّلة خُصوم الشعب المصري.
يتحدثون في كل شيء إلا مطالبكم العادلة، ويبتسمون، ويتضاحكون تحت صورة الطاغية، ويكاد رفعت السعيد وخصومه الإخوان المسلمون يرقصون فرحاً فوق المنضدة الدائرية، فالسيد البدوي أقنعهم أن حُمُصَّ المولد انتقل من ساحة المسجد في طنطا إلى قاعة فاخرةٍ تتصدرها صورة سفاح استأجر لبلطجيته الخيل والبغال والحمير والجمال ليركبوها، فإذا بها تـُشهد العالم أن مصر تحكمها عصابة، وأن مغارة علي بابا لا تزال تمنح الأربعين ألف حرامي ما لم تنشره( الجارديان) عن ثروة زعيمهم حسني مبارك التي بلغت خمسمئة مليار جنيه!
وجاءكم عمرو موسى في اليوم الثاني عشر نازعا ربطة عنقه مثلما فعل أحمد شفيق، وحاول التهدئة، واقناعَكم بعدم اهانة السيد الرئيس!
لكنه اكتشف في عيونكم المصرية الواسعة والجميلة أنكم أنضج منه، وأكبر من جامعته العربية، وأن هتافاتكم لن يتخللها مقطع لشعبولا ( باحب عمرو موسى .. )، ولم يتمكن من تلميع قاتل مئات من زملائكم الذين كانت أرواحكم الطاهرة تحلق فوقكم، فتنصرف غاضبة عندما تستقبلون منافقا من قوىَ المعارضة، وتعود بعدما ينصرف.
جاء أحمد زويل من بلاد العم سام، وقدّم لحكومة غير شرعية اقتراحات عن حقوق المواطنين، والافراج عن المعتقلين السياسيين، وغيرها..
لكنه أسقط العنوانَ الرئيسَ لمطالبـِكم العادلة.. الشعب يريد اسقاط النظام!
يراهنون على أن أجسادكم الغضّة سيرهقها الجوع، ويـُتعبها العطش، ويبطئها النـَصَبُ والتعب وليالي الميدان الطويلة، لكنكم كنت تتفننون في الصمود مع اشراقة صباح مصري جميل لأربعة عشر يوما ستجعل أيَّ مؤرخ في قادم الزمان يبدأ الكتابة من تاريخ غضبتكم المباركة.
يراقبكم سبعة ملايين مصري في الخارج، وعشرات الملايين في الداخل، وتستقبل السماوات العُلا أدعية تصعد فلا تدري الملائكة إن كانت مرّت على هلال أو صليب.
هل وصلتكم الرسالة الخاصة بثروات كبير اللصوص؟
لقد نقلتها كل وكالات الأنباء، وجعلت أثرياء الدنيا يحسدون طاغية مصر على نصيبه من أفواه جائعي بلده، وكان من المفترض أن يتغير شعار ثورتكم فورا ويصبح ( الشعب يريد محاكمة النظام )، فالمطلوب مذكرة استدعاء لكل أركان الحُكم ورجال الأعمال وعائلة مبارك، فرحيلُه الذي كان أضعف الإيمان أصبح جريمة غض الطرف عن أخطر لصوص العصر.
يشاهد مبارك وعائلته وكلابه وأزنابه وحيتانه ومنافقوه شريط الفيديو، مرة تِلْوَ الأخرى، فهذه سيارة تدهس المصريين، وهؤلاء قناصة تصطادهم، وتلك أوامر عُليا باخلاء مصر من مليون رجل أمن حتى لا يبقى من الوطن شيء آمن، وهؤلاء بلطجية بأسلحة بيضاء وقلوب سوداء ووجوه صفراء يمارسون ضدكم فِعل الشياطين.
اللغة الخادعة لم تخدعكم، وتهشّمت حروفها تحت قوة صلابتكم، فهذا يقول تهدئة، وذاك يؤكد على أهمية كرامة الرئيس لأنها من كرامة الجيش، وثالث يطلب منكم العودة لبيوتكم بعدما انتصرتم، ورابع يتهمكم بالاخوانية، وخامس يؤكد أن هزيمتكم قادمة لا محالة، وسادس يـُرجع سبب الفوضى لاحتلالكم ميدان التحرير، وسابع يتعلل بالموضوعية والعقل، وثامن يـُقسم أنه سيعيد إليكم حقوقكم ( وليس شهداءكم ) من أنياب الطاغية ونائبه و .. رئيس وزرائه.
لا تصدّقوهم فهم تلامذة القنوات التلفزيونية المصرية، والنظام القاتل لا يزال يحكم، واللصوص يتمتعون بخيراتكم، والسفاح يقوم بِسَنّ سكينته، وضباط الأمن الذين تراجعوا عن مواقعهم مخالفين قـَسـَم الشرف وحماية المواطنين لصالح بلطجية مبارك سيعودون لصناعة شهور الجحيم حتى سبتمبر القادم.
لا تصدقوا من يتحدث باسمكم ولو كان أكثر الكبار تقوىَ، ومصداقية ظاهرية، وحكيم زمانه.
لم تعودوا مدافعين فقط عن مصر، ولكنكم خط الدفاع الأول عن الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، وأنتم أمل كل عربي يدوس فوق رأسه طاغية، وفوق ظهره ضابط أمن، وتنتظره زنزانة ليقبع فيها ما بقي له من عمر.
لو كان الأمر بيدي لحجزت مكاناً على أول طائرة، وهرولت إلى ميدان التحرير، وقبـَّلت رأسَ كل واحد فيكم لأتطهر، وتعود إلىَ عقلي حِكْمَةُ الشباب، وإلىَ قلمي حماسة الفرسان.
قدّاس الأحد في الميدان كان أطهر من أي قداس آخر في كنيسة ولو أقامه البابا بنفسه، وصلاة الغائب التي أداها المسلمون في حماية الأقباط كانت عند الله أقرب من كل صلوات شيخ الأزهر التي دعا فيها الله أن يحفظ ولاة أمورنا.
استمروا، واعتصموا بالميدان فهو حبلُ الله، وارفضوا كل صور الحوار فالثورة المنتصرة يأتيها المنهزمون من السلطة راكعين، وطالبين الصفح والنسيان.
المنتصر لا يتفاوض، ولا يرسل وسطاء، ولا يناقش، ولا يتنازل، لكنه يُملي شروطه، ويحدد ساعة الصفر لاستسلام المنهزم.
لا تبحثوا عن فارس نبيل في جيش مصر فأربعة عشر يوما والذئب ينهش في أجسادكم لم تـُحرك نخوة، وشهامة، ورجولة، وكرامة أبناء أبطال العبور.
العسكر الثلاثة الكبار وسفاح مصر يخاف كل واحد منهم أن يغدر به الآخرون، وقوىَ المعارضة تتسابق على نصيبها من الكعكة كما فعلت إبان الانتخابات البرلمانية المزورة، ومبارك ونائبه ورئيس الوزراء يرفضون عودة عشرات الآلاف من ضباط الأمن، فورقة تدمير مصر تبدأ من التلويح بعدم الأمان، وسيطرة المجرمين ومرتزقة النظام تشترط انسحاب ضباط الأمن حتى يتم تأديب الشعب الذي ثار بثورة شبابه.
يراهنون على فُرقتكم، ولا يعرفون أنكم أسرة واحدة بملايين الأفراد من السويس والاسماعية إلى القاهرة وبورسعيد، ومن بنها والمحلة إلى أسوان وسيناء.
ألم يأن الوقت للدعوة لاحتلال مركز الفساد والكذب والزيف والخداع، فيكون هناك يوم ( البيان رقم واحد )، ويتوجه مليون أو أكثر إلى ماسبيرو، وهنا فقط سيتهاوى النظام، وتعلنون أسماء المطلوبين للعدالة، وتقومون بطرد كل قوى التخلف الإعلامي.
اجعلوا أحد أيام اعتصاماتكم المليونية لــ ( البيان رقم واحد)، واستأصلوا رأس الأفعى من إعلامه، وليكن لكم إعلام الثورة الشبابية، وباحتلال ماسبيرو ترفع ثورة الشباب راية النصر.
احفظوا أسماء من يتحدث باسمكم، وحاسبوهم بعد سقوط النظام فقد أرادوا، عن سوء نية أو حُسْنـِها، اغتيال ثورتكم الطاهرة.
والله يرعاكم.
وسلام الله على مصر.
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال